مصدر الفتوى :
فتاوى المسجد الحرام - الحج 1435
السؤال :

يقول السائل : جزاك الله خيرًا شيخنا يقول السائل: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة رواه أبو داود وغيره وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان ، وأكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون ذلك تعبدي ما وجه ذلك؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ; هذا حديث صحيح ، وهذا جاء بلفظين صحيحين (( نهى أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة ونهى أن تتوضأ المرأة بفضل الرجل وليغترفا جميعًا))(1) المرأة لا تتوضأ بفضل الرجل ولا الرجل بفضل المرأة وليغترفا جميعًا ورواية أخرى جاءت أيضًا من رواية الحكم الغفاري (( نهى أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة)) (2) وهذه الأحاديث ظاهر أسانيدها الصحة ومن أهل العلم من ضعفها ولم يقل بها كثيرٌ من أهل العلم أو جمهور أهل العلم إما كثيرٌ منهم أو الجمهور لم يأخذوا بهذه الأخبار وقالوا: إن الأخبار التي في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يتوضأ هو وأزواجه من إناءٍ واحد كما في الصحيحين عن عائشة أنها قالت: ((كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحد)) (3) وعند مسلم من حديثها رضي الله عنها ((كنت أتوضأ أنا والنبي عليه الصلاة والسلام من إناءٍ واحد ونحن جنبان)) (4) صرحت بأنهما جنبان، من إناءٍ يقال له الفرق والفرق ثلاثة أصاع وجاء في صحيح مسلم من حديث ابن عباس أنه توضأ بفضل ميمونة(5) وقالوا: هذه الأخبار أرجح وأصح ومنهم من قال: لا يتوضأ الرجل بفضل المرأة وقالوا بعضهم أيضًا كما لا تتوضأ المرأة بفضل الرجل لأنه حديث واحد في بعض روايتيه (( نهى أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة وأن تتوضأ المرأة بفضل الرجل)) وفي اللفظ الآخر ((يتوضأ الرجل بفضل المرأة)) وهذه الأخبار التي صحت وهو الظاهر يؤخذ بها وهل النهي هنا فيما إذا خلت به وأنها إذا لم تخلو بها فلا بأس هذا قال به عبد الله بن سرجس  يروى عن عبد الله بن سرجس وهو صحابي وظاهر الخبر عدم التقييد وعلى كل حال هذا النهي على خلاف الأولى أو الكراهة فلو توضأ الرجل بفضل المرأة أو المرأة بفضل الرجل فالوضوء صحيح لدلالة الأخبار الصحيحة في أنهما يتوضأن كما في حديث عائشة تغتسل مع النبي عليه الصلاة والسلام وهذا هو الذي دعى بعضهم أن يقول إن هذا فيما إذا خلت به لأن الأخبار الصحيحة إذا اغتسلا جميعًا فلا بأس، واختلف في الحكمة والعلة والله أعلم من أهل العلم من قال علة نهي الرجل وهذا سمعته من شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله يقرر على هذا الخبر يقول: ما معناه يعني لعل المرأة لا يحصل منها عناية بمسألة الوضوء في الوضوء وأخذ الماء في بقائه على حاله فليس عندها من الحزم في العناية بالماء وبقائه وعدم تغيره وشيء من هذا والمعنى الذي يقرره هو رحمه الله وغيره أن الواجب المشروع الالتزام وما جاءت به الأدلة والنصوص إن ظهرت الحكمة فنور على نور وإن لم تظهر الحكمة فنمتثل وإن كان النهي في حقه الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل فيمكن والله أعلم أن يقال يمكن أن يقال أن هذا في الغالب لا يقع إلا عند قلة الماء هذه علة يمكن أن تلتمس، وقد يقال والله أعلم أن النهي عند التوضأ بفضل الرجل للمرأة والمرأة بفضل الرجل لا يقع في الغالب إلا عند قلة الماء فربما لو علم يعني أنه تتوضأ المرأة بفضله والمرأة تتوضأ بفضل الرجل والماء قليل قد لا يعتني الرجل بطهارته ولا يبالغ في النظافة حتى يبقي شيئًا من الماء لأهله، وهذا فيما إذا كان مع أهله لأن الابتلاء في الغالب يكون في الرجل مع أهله والمرأة مع أهلها ليس مع غيرهم من الناس ويكون مع قلة الماء فربما لا يعتني بالوضوء ولا يبالغ في الوضوء والمشروع المبالغة وقد يترك أمرًا واجبًا أو قد يفرط في أمر الوضوء فنهي أن يتوضأ أحدهما بفضل الآخر حتى يعتني بالوضوء ويعلم أن الماء الذي يفضله لا يشرع أن تتوضأ به المرأة وأن الماء الذي تتركه المرأة لا يشرع أن تتوضأ به الرجل فيجتهد للوضوء ويبالغ في الوضوء ما دام أن الأمر كذلك يمكن أن تكون هذه الحكمة لأن العناية بأمر الطهارة أمرٌ مطلوب ثم لو توضأ الرجل بهذا الماء ولم يبقى شيءٌ للمرأة أو توضأت المرأة ولم يبقى شيءٌ للرجل فالحمد لله له بدل يتيمم يعني لا يجعل الإنسان تفريطه في الوضوء سبب لإبقاء الماء أو طريق لإبقاء الماء لغيره لأن غيرك إذا لم يجد ماءًا ففيه بدل والصلاة صحيحة بلا خلاف فأنت ما دام الماء موجود الآن إما أن تتوضأ أنت به مع الاجتهاد في العناية ولا يبقى منه شيء وإما أن تتوضأ به هي دونك، وهل يشرع الإيثار هذه مسألة أخرى وإن كان الصحيح أن الإيثار في العبادات مشروع ما دام المقصود متاجرة مع الله لا الضعف والزهد في أمر الخير أما إذا كان على سبيل الإكرام والمتاجرة مع الله لا زهدًا في الخير هذا لا بأس به والقاعدة المشهورة لا إيثار في القرب(6) لم يثبت بها دليل واضح بل الأدلة على خلافها وإن كان قد يعمل بها في بعض المسائل لكن جاء ما يدل على أنه قد يؤثر بالقرب فهذا هو الأقرب يمكن يقال أن يوجه على هذا التوجيه في تخريج هذا الخبر مع غيره من الأخبار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرجه أبو داود (81)،والنسائي (1523). وأحمد في المسند (17011). قال ابن حجر في "بلوغ المرام" ص13: إسناده صحيح. (2) أخرجه أبو داود (82) ، والترمذي (68) وقد اختلف العلماء في تصحيح هذا الحديث ، فحسنه الترمذي ، والألباني في"صحيح أبي داود" . وضعفه الإمام البخاري ، وابن عبد البر في "الاستذكار" (1/209) فقال : مضطرب لا تقوم به حجة . وقال النووي في "الخلاصة" (1/200) : ضعيف . وقال ابن القيم في "تهذيب السنن" (1/149) : ليس بصحيح .
(3) أخرجه البخاري(273)،ومسلم (319). (4) أخرجه مسلم (321). (5) أخرجه مسلم (323).
(6) انظر  بحث د. محمد الزحيلي في القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة (2/ 703).


التعليقات