إذا وضع دواء أو لاصقاً على الجرح فهل يجزئ غسله عن الوضوء ؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
من كان به جرح ووضع عليه جبيرة أو لاصقًا ففي هذه الحالة إن أمكن غسلُه غسلَه على الصحيح ، وإن لم يمكن غسله مسح.
أو يمكن أن يقال أن الجرح له أحوال :
الحال الأولى : أن يكون مكشوفاً فإذا كان مكشوفًا وأمكن غسله بلا ضرر كان هو الواجب، وإن لم يمكن غسله إلا بضرر وأمكن مسحه فإن مسحه أولى من وضع اللاصق ومسح اللاصق، فإذا كان الجرح وضع عليه لاصقًا، فله حالتان ، الحالة الأولى : أن يمكن غسله بلا ضرر ، فغسله أولى من مسحه؛ لأن هذا الموضع الأصل فيه الغسل وليس المسح إنما المسح عارض بوجود اللاصق، فإذا كان الغسل متيسراً ولا ضرر فيه فهو المشروع ، وإن تضرر بغسله فإنه يمسحه.هذا هو الذي يتبين ونعلم أن المسح على الجبيرة هذا وقع فيه خلاف بين أهل العلم ، حديث الجبيرة حديث جابر[1] ضعيف ومنهم من قواه بمجموع الطريقين لكن وإن لم يثبت عن النبي - عليه الصلاة والسلام - فقد ثبت من جهة المعنى ومن جهة بعض الآثار عن السلف[2] ، وقد صح عن ابن عمر[3] المسح على الجبيرة عند البيهقي وغيره.
أيضاً كذلك نعلم أنه أحياناً يشرع المسح عن الغسل عند عدم الماء أو عدم القدرة على استعماله في الحالتين يضرب يده بالأرض فيمسح يديه ووجهه أو وجهه ثم يديه؛ لأنه لا يجب الترتيب بينهم على الصحيح. وكذلك يشرع المسح في الخفاف والجوارب مع أنها موضع رخصة وليست عزيمة ، المعنى أنها رخصة له أن يترخص بها وإن كان قد تكون عزيمة في بعض الأحيان لو تضرر مثلاً بغسل رجله ففي هذه الحالة يجب عليه أن يلبس الجورب مع الضرر فيأخذ بالعزيمة. فإذا كان يشرع المسح في مثل هذه الحال، والمسح يكون على ظاهر القدم في حال الضرورة من باب أولى ، وإن كانت في غير القدم ونحو ذلك ، وعلى هذا نقول : إذا كان هذا في القدم جاز لأنه يجوز المسح في القدم ، يجوز المسح على الجورب والشراب في القدم عند الحاجة بلا ضرر فكذلك أيضاً لو كان الجرح في غير القدم كاليد أو الوجه ووضع عليه لاصوق فيشرع مسحه لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال : " إذا أمرتُكم بأمرٍ فأْتُوا منه ما استطعتُم "[4] ، ثم أيضاً قد يستدل بعموم قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )[5] ، وهذا العموم يدخل فيه من على يده لاصوق أو جبيرة ، وعلى هذا لأنه كثيراً ما يقع مثل هذا الشيء وهذا العموم يستدل به - رحمهم الله - بعض أهل العلم يستدل بمثل هذه العمومات يستدلون بها.
يقولون: لو كانت هذه استثناءات لذكرت وبينت ولأنه يقع ويعرض ولا تخلو منه الحاجة لا يجوز ، فعموم الأمر بالمسح وغسل الأيدي والأرجل يدخل فيه ما لو كان في أحد أعضاء الوضوء جرح أو كسر أو نحو ذلك فإنه يجب استيعابه إما غسلاً، فإن لم يتيسر يأتي ببعض الأمر ، مثلما تقدم . فإن كان هذا الجرح يمكن غسله غسله ، يتضرر بغسله يضع عليه لاصق ، واللاصق يكون بالقدر ما يمكن غسل هذا اللاصق كان هو المأمور به؛ لأن هو الواجب وهو المستطاع.
ما يمكن يؤدي بعض الواجب في غسله وهو المسح، ولذا يمكن أن يتبين هذا بإزالة النجاسة ، إزالة النجاسة واجبة ولو كان على الإنسان نجاسة مثلاً في بدنه وجب أن يزيلها، فإن كان يتضرر بإزالتها فإنه يزيل من النجاسة ما يستطيع إزالته ، وما لم يمكن فإنه يكتفي بغسل ظاهره ، حتى لا يبقى شيء من النجاسة يتفتت ويزول إلا بالضرر، كذلك أيضاً فإذا كان هذا في باب إزالة النجاسة التي هي في الحقيقة من باب التروك، فكذلك في هذه العبادة الوضوء الذي هو عبادة ومتأكدة وتشترط فيها النية أن يؤديها على الوجه الأكمل ما استطاع ، نعم.