السؤال: عند زيارة القبور هل يقف الزائر قبالة وجه صاحب القبر ويسلم عليه، ثم يتحول إلى جهة القبلة ويشرع في الدعاء للميت هل هذه الصفة الصحيحة؟ وهل هناك صفة أخرى لزيارة القبر والدعاء لصاحبه غير هذه الصفة؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
إذا زار الإنسان القبور فالسُنة الدعاء لهم، وجاءت الأخبار عن النبي عليه الصلاة والسلام بمشروعية زيارة القبور، و النبي عليه الصلاة والسلام زار القبور وحث على ذلك، ولم يأت في خبرٍ واحد هذا التفصيل المذكور، وأنه يستقبل الميت عند السلام، ويستقبل القبلة عند الدعاء، وإن كان هذه المسألة وقع فيها خلاف عند الأحناف يقولون: إنه يستقبله عند السلام وعند الدعاء يستقبل القبلة، والشافعية قالوا: إنه يستقبل وجه الميت مطلقًا، وهذا كلام الحنابلة -رحمة الله عليهم-: أنه يقف حيث شاء. وهذا هو الأقرب والأظهر.أما التفصيل الذي ذُكر فإنه لا دليل عليه، وهذا المقام مقام عظيم، ولو كان ثمة تفصيل جاءت من أدلة عن النبي –عليه الصلاة والسلام- ثم أيضًا نقول: مثل هذه الأحوال التي تجد فيها النصوص مطلقة على إطلاقها، لو وردت في غير عبادة لقلنا على إطلاقها، فما كان في عبادة من باب أولى ألا نقيده، وورد نص مثلًا في بعض المسائل في المعاملات وغيرها فإنا نحمله على إطلاقه فلو قيده الإنسان نقول: ما الدليل على التقييد؟ إذا كان هذا في أبواب المعاملات. فأبواب العبادات التي هي أضيق أولى بهذا أنه من قيد فقال: إنك تستقبل القبلة وقت الدعاء، وتستقبل وجه الميت عند السلام. نقول: هذا أولى بعدم التقييد؛ لأن التقيد دليل، التقييد المطلق التخصيص العام لا يكون إلا بدليل، العلماء يذكرون التخصيص المطلق، التخصيص العام، التقييد المطلق وأنه لا يكون إلا به، فلا يُقيد بقول عالم ولو بصحابيٍ.وهذه المسألة مثلها كما تقدم، وهي أولى في مثل هذا، وخاصة في باب الدعاء عند القبور ولما عُلم من التشديد في باب القبور، وزيارة القبور، والدعاء عند القبور، وكذلك أيضًا التقييد، يعني هنا تقييد وهنا تفصيل معه تقييد بأن يستقبل وجه الميت، الأظهر والله أعلم أن الأمر في سِعَة، وأن الإنسان إذا جاء إلى القبر حيث ما تيسر فإنه يقف، لكن لو كان المكان الذي هو فيه ضيق واحتاج مثلًا أن يستدبر القبلة في هذا ينظر إلى المكان الذي يكون فيه سِعَة ، ويكون راحةً له فيسلم عليه ويدعو بما تيسر.جاء حديث رواه الترمذي من رواية أبي كدينة يحيى بن المهلب وهو ثقة، عن قابوس بن أبي ظبيان وفيه لين عن أبيه أبي ظبيان حصين بن جندب وهو ثقة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام مر بقبور المدينة فاستقبلهم فتلقاهم بوجهه ثم قال: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ القُبُورِ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ، أَنْتُمْ سَلَفُنَا، وَنَحْنُ بِالأَثَرِ»(1). فاستدل به بعضهم أنه يُستقبل وجه الميت لقوله: أنه أقبل عليه بوجهه، مر بقبور المدينة فأقبل عليه بوجه وهذا في الحقيقة لا دلالة فيه؛ لأن هذا ليس فيه وقوفٍ عند قبرٍ معين. لا، هذا النبي مر بالقبور ،
فأقبل عليه؛ يعني كما لو مر إنسان بمقبرة على طريقه، عن يمينه عن شماله فأقبل عليها، يعني أقبل وقال يا أهل القبور، ومن أين لنا أن المعنى استقبلهم بوجهه من جعل وجهه إلى وجوههم؛ يعني بمعنى أنه جعل القبلة خلفه واستقبلهم، يعني من أين لو كان كذلك لبين الراوي قال: ذلك؛ لأنه قال: جعل القبلة خلفه واستقبلهم بوجوههم، فلا دلالة بما أن الخبر كما تقدم فيه قابوس بن أبي ظبيان هذا وفيه لين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ الْمَدِينَةِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ القُبُورِ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ، أَنْتُمْ سَلَفُنَا، وَنَحْنُ بِالأَثَرِ.
أخرجه الترمذي (1053)، قال الترمذي حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ.