ما حكم وضع اليد على الكتف أثناء التعزية ؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ;
التعزية مشروعة، وإذا صافح لا بأس، هذا مشروع له، بالنسبة للمسلم على المسلم عموماً، فإذا كنت تعزِّيه فمن باب أولى أن يشرع ذلك، لكن المعانقة التي تقع أحياناً ويعتقد استحبابها هذه فيها نظر، والمعانقة لا تشرع إلا مع طول غيبة، والناس اعتادت المعانقة في التعزية وأجروها مجرى عادة الحقيقة لم يجروها مجرى العبادة، إنما أجروها مجرى العادة بينهم والمؤانسة وتطييب النفس لم يجروها مجرى العبادة في مثل هذا.
لكن وضع اليد على الكتف يعني إذا كان من باب المؤانسة فلا بأس، لا يظهر فيه شيء والله أعلم. لأنه لم يقصد بذلك مثلاً العبادة، ولم يقصد بذلك شيئا، إنما مقصده التقرب منه والمؤانسة، ولذلك ثبت في صحيح البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال : أخَذَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمَنْكبي فقال: (كن فِي الدُّنْيَا كَأَنَّك غَرِيب أَو عَابِر سَبِيل)[1]. وهذه في الحقيقة من باب الوصية له. وأراد أن يؤانسه بذلك لأنه في مقام الوصية، وربما يكون هذا دليل في هذه المسألة؛ لأن هذا الحديث فيه وصية له، وفيه تذكير بأمر الآخرة، والمعزي في الحقيقة يواسي أخاه ويذكره بفضل هذه المصيبة حينما يصبر ويحتسب. فإذا وضع يده على كتفه مثلاً أو أمسك بيديه من هذا الباب، من باب التودد له والتأنيس له، ويكون أقرب إلى قبوله فيكون من باب الوسيلة؛ لأن هذه الأمور من باب العادات التي هي وسائل إلى طرق الخير، والقاعدة في مثل هذا أنما كانت وسيلة لطريقة من طرق الخير يعلم أنها تؤدي إليه وتحصل المصلحة فلا محظور فيه[2]. أنما المحظور إذا كانت هذه الطريقة أو هذا المسلك عبادة يسلك في هذا الشيء، فهذا هو الذي يحتاج إلى دليل، أما إذا كان من باب الأمور المباحة فأنت تسلك مع هذا ما هو يصلح له، ومع هذا ما هو يصلح له، وتعامل الشيخ الكبير بما يناسبه، وتعامل الصغير بما يناسبه.
ولهذا في حديث أيضاً يحضرني الآن في حديث جابر مع محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حينما جاءه وأراد أن يحدثه بحديث حجة النَّبيّ - عليه الصلاة والسلام - ومعلوم أن جابر - رضي الله عنه وأرضاه - رواه حديثاً مطولاً بل هو منسك مستقل، قال : فجئنا إليه وكان جابر في هذا الوقت - رضي الله عنه - قد عمي وكان محمد بن علي بن الحسين شاباً صغيراً، قال : فقربت منه، فلما عرفني قال أمسك بجيبي فحل أزراري حل أزراره حتى وضع يده على صدره[3]. ومعلوم أن هذا من باب التأنيس له. ولو أن هذا فعل مع إنسان كبير ربما لا يقبله لكن لأنه شاب، ويكون هذا من باب التأنيس له وتطيب النفس حسن مثل هذا الشيء، فكذلك أيضاً في مثل هذا الشيء، وهذه مؤانسة لأجل إبلاغ العلم وتعليم العلم، فكذلك أيضاً المؤانسة من باب التذكير والوعد كما تقدم في حديث ابن عمر - رضي الله عنهم -.