مصدر الفتوى :
فتاوى المسجد الحرام - رمضان 1437
السؤال :

يقول السائل : نرجو نصيحة لإمام مسجد مدمن على رؤية الأفلام الإباحية، وكلما تاب وبكى واستغفر وندم ولكن تغلبه نفسه فيرجع للمشاهدة

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ; نقول لاشك أنه إن كان إمامًا يصلي بالناس فإنه مسئول، فعليه أن يحذر مما فتن به من هذه المشاهدة المنكرة، لكن ما دام على هذا الوصف أنه يبكي نادمًا مستغفرًا هذا خير، ثم أقول يظهر من هذا السائل أن هذا الرجل ربما يخبر غيره؛ لأنه يخبر عنه، إن كان يخبرهم بهذا، نقول لا ينبغي للإنسان أن استر نفسك بستر الله، لا ينبغي أن تخبر غيرك وتقول أنا أشاهد كذا ، بل استر نفسك ، وتقدم حديث أبي هريرة «كل أمتي معافى إلا المجاهرين...» وإن كان هذا ربما يتكلم على سبيل طلب الدعاء من إخوانه أو إعانته ليس على سبيل المجاهرة إنما على وجه يريد منهم إعانته،خلاف الذي يجاهر على سبيل عدم المبالاة بل المباهاة والإقدام بوقاحة حيث ستره ربه؛ «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه»(1) المسلم يستره ربه، فاستتر بستر الله، ومن ستر نفس ستره الله، ومن كان بهذه الصفة إمامًا مصليًا فهذا أبلغ إلى التمسك بالعمل، مادام عنده علم بهذا فعلمه يدعوه إلى الإقلاع عن هذه المعاصي، ثم لا ييأس من أن يرجع ويتوب، بل عليك أن ترجع إلى الله -سبحانه وتعالى-، وأن تقطع أسباب الفتنة؛ لأن هذه لها أسباب، لابد من تحصيل الأسباب المحصلة للخير، والحذر من الموانع المانعة منه فيحصل لك الخير.مثل إنسان مصلي، يجتهد في تحصيل ما يجعله يخرج لصلاته، ويدفع ما يدعوه إلى هذه الوساوس ونحو ذلك، وفي ذلك إجابة المؤذن كما سبق المبادرة إلى المسجد في أول الوقت، قراءة القرآن، غض البصر عن المحارم كما في قوله سبحانه وتعالى : {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30]؛ خبير سبحانه وتعالى بما يصنع الإنسان، {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 31]، والنظر إلى الحرام من هذه الصور المحرمة من أعظم أسباب ذهاب الضوء والنور من القلب، والقلب كلما أذنب العبد نكت فيه نكتة سوداء في حديث أبي هريرة الصحيح  «نكت فيه نكتة سوداء حتى تعود على قلبيه أسود كالكوز مجخيا، وأبيض ما دامت السموات لا تضره منها»(2)، فسواد القلب مصيبة لكن ابدأ بتطهير قلبك حتى يعود أبيض، وهذا بالتوبة والندم.ثم يعلم الإنسان أن النظر إلى هذه والإدمان عليه مثل الذي يشرب من ماء البحر لا يروى بل يزداد عطش فلا سبيل إلا بقطعها والإعراض عن أسبابها، وتلاوة القرآن والابتهال في البكاء حتى يغسل قلبه ودرن قلبه، وملازمة الذكر، وأن يدعو الله تعالى في أوقات الإجابة. مع ما عُلم من أن النظر إلى هذه المشاهد لها أمراض على البدن والقلب، لكن المسلم الذي يردعه ليس المرض الحسي لا مرض القلب المعنوي، فاستحِ عبد الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)أخرجه البخاري (6069) ، ومسلم (990).  (2) أخرجه الترمذي (3624)، والنسائي في "الكبرى" (10179) وهو في "مسند أحمد" (7952)، و"صحيح ابن حبان" (935). وفي الباب من حديث حذيفة رضي الله عنه: قَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ»، أخرجه مسلم (3624)،


التعليقات