يقول السائل : هل يجوز التكلم على الخاص مع أحد الفتيات لنشر الدعوة؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
هذا فيه خطورة، وصعب أنه يقال بالكلام بشيء من طريق الهاتف الخاص مع المرأة، مهما كان، والأصل أنه لا بأس أن الرجل كونه مثلا حينما يكون في بعض الجهات الدعوية، ويكون هناك قسم للنساء، وقسم للرجال، والمرأة تتصل بالرجال تسألهم، تستشيرهم، هذا لا بأس به، لانتفاء الريبة، لأن هذه مكاتب، لكن عندما يكون شيئا خاصًا، فالرجل يستغني عن الكلام بالرسالة، أو يمكن عن طريق بعض أهله، زوجته، أحد محارمه، هذه أمور دعوة ولله الحمد، فالوسائل لم تتقيد، ثم والله أعلم الأمر لا يخلو من فتنة مهما كان، والرجل يضعف أمام المرأة، والمرأة تضعف أمام الرجل، والمرأة بطبيعتها يحصل في قولها، وفي كلامها شيء من الضعف أحيانا، فلا شك وربما تخضع بالقول، والشيطان حاضر، والنفس ضعيفة. وأمر النساء كما يقول: "شيخ الإسلام" أمر صعب[1]، "لحم على وضم"، فلا ينبغي التساهل فيه، ولا ينبغي التوسع فيه، حتى ولو كان في أبواب الدعوة، ولم يضق الأمر ولله الحمد، فيمكن هناك سبل وطرق أخرى يحصل بها المقصود بدون هذه الطريقة. والقاعدة أن الوسائل المفضية، أو التي يغلب على ظنه أنها تفضي إلى محظور تسد[2]، والمرأة كما قال عليه الصلاة والسلام « ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء»[3]. والشيطان يحسن ويزين هذا الصوت لا بالنسبة للرجل ولا بالنسبة للمرأة، ثم أيضا مما يزيد الأمر خطورة أن الأمر في أمر الدعوة، يعني الأمر منتفي، يعني ليس فيه شبهه، لا يوجد اتصال شبهه، فتتوسع في الكلام، طبيعة المرأة في الغالب تتوسع في هذا، مهما كان، أي شيء يشكل، وتسأله.لأنها تقول ربما أيضا تحتج بهذا وتقول أنه في أمر الدعوة، فتتكلم معه مثلا هذا الوقت، غدا تزيد، وهكذا الرجل، فيما أظن أن في بعض القضايا يترتب عليها أمور ليست حسنة، فالحذر الحذر، والقاعدة الشرعية أن المصالح والمفاسد إذا اجتمعت فإنه تدرأ المفسدة إذا كانت غالبة[4]، وإذا أمكن تحصيل المصلحة بدون مفسدة هذا هو الواجب، ودفع المفسدة هذا هو الواجب، فإذا اجتمعتا فالواجب هو دفع المفسدة وتحصيل المصلحة.ثم العلماء كما نبه على ذلك الشاطبي رحمه الله قالوا تلازم المصالح والمفاسد، هذا حينما لا يمكن إلا عند التلازم، لا يمكن تحصيل المصلحة إلا بارتكاب مفسدة، ولا يمكن دفع المفسدة إلا بترك المصلحة، هذا قضية التلازم، تلازم المصالح والمفاسد، فيأتي فيها الاجتهاد، هل يرتكب المفسدة، لأجل تحصيل المصلحة، أو يدفع المفسدة إلى ترك المصلحة، هذا التقسيم معروف لأهل العلم[5].أما هذه المسألة ليست من باب التلازم في الحقيقة، إنما هو الذي يلزم نفسه، وهي التي تلزم نفسها بهذا الشيء، يمكن أن تحصل المقصود في هذا الباب من طريق امرأة تعلم من هذا الشيء، ما يعلمه هذا الرجل، أو من طريق وسيط لا ريبة في ذلك من المحارم أو نحو ذلك.فالواجب الحذر والاحتياط كما تقدم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1] ) ينظر مختصر الفتاوي المصرية لابن تيمية (2/ 92). وقال الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري: ((3/337)) رواه ابن المبارك موقوفا على عمر بن الخطاب من حديث محمد بن عمرو بن علقمة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال:" إنما النساء لحم على وضم إلا ما ذب عنه فخذوا على أيدي نسائكم حتى يبصر الشاب موضع قدميه". وكذلك رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه غريب الحديث. وانظر مسند الفاروق لابن كثير (1/394،395).
([2] ) ينظر الذخيرة للقرافي 2/129، القواعد للمقري 1/242، ترتيب اللآلي لناظر زاده 2/961 . الفروق للقرافي (مع حواشيه) 3/317 . قواعد الأحكام في مصالح الأنام 2/121 .المنثور للزركشي 3/106.
([3] ) أخرجه البخاري (4808).ومسلم (2740). من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
([4] ) ينظر التحبير للمرداوي 8/3851، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 87، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 90، ووردت بلفظ دفع المفاسد في : تأسيس النظر للدبوسي 1/790، التحبير للمرداوي 8/3835، التحقيق الباهر لهبة الله أفندي 1/338، وبلفظ مقدم على جلب المصالح في : الإبهاج للسبكي وولده 3/71، شرح الخرشي 2/128، القواعد لابن عبد الهادي 1/26، النوازل للوزاني 2/186، نشر البنود للشنقيطي 1/131، إرشاد الفحول 1/218، السيل الجرار للشوكاني 3/253، عون المعبود 2/355.
([5] ) انظر : قواعد الأحكام 2/7 .