يقول السائل : ما هو حكم وضع الفتيات بالجامعات المختلطة للتعليم؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
الاختلاط بلية ومصيبة، ومن أعظم أسباب الفساد العام والخاص، وثبتت الأخبار عن النبي عليه الصلاة والسلام أن أعظم الفتن هو مخالطة النساء للرجال، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء»[1]. وهذه المسألة فيها كلام لأهل العلم.
والأدلة في هذا كثيرة في مسألة اختلاط النساء بالرجال، وما أشبه ذلك، ودلت الأدلة على أنه يجب عزل الرجال عن النساء، حتى في أشرف المواقع، وأشرف المواضع في الأرض، «خير بقاع الأرض مساجدها، وشرها أسواقها»[2]. كما في صحيح مسلم، ومع ذلك يجب على النساء أن يكن حَجْرة[3]، يعني في مكان منعزل عن الرجال، وكن يصلين خلف الرجال، وكان عليه الصلاة والسلام يأمر النساء إذا رفع الرجال من السجود، ألا يرفع النساء رءوسهن حتى يستوي الرجال جلوسًا.
انظر النبي عليه الصلاة والسلام يقول: «إذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا»[4]. يعني يشرع للإنسان إذا رفع الإمام أن ترفع، بل تأخرك في السجود بعد رفعه خلاف السنة، بل لو طال مقامك حتى رفع الإمام من سجوده، وفارقته بهذا الركن تأخرا ألحقه بعض العلماء بالمسابق، جعله كمن سبق. ومع ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: «لا ترفعن رءوسكن حتى يستوي الرجال جلوسا»[5]. ومعلوم الرجال لا يرفعون حتى يرفع النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا قال: «وإذا رفع فارفعوا». ما قال إذا كبر، «وإذا رفع». وهذا يبين أن المشروع للرفع بأنه الدلالة للمأموم على الإمام، لأنه لا يراه في حال السجود، فتبين أنه يشرع أن يكون التكبير حال الانتقال، وأن ينتهي هذا التكبير عند جلوسك. فبهذا يرفع الرجال، فإذا رفعوا واستقروا والنساء لا زلن ساجدات، ولا يرفعن إلا بعد رفع الرجال، واستقرارهم، يتأخرن، كل هذا لأجل ألا يبصرن شيئا من عورات الرجال، فتركت هذه المصلحة وهو المتابعة، دفعا لتلك المفسدة التي هي في الحقيقة مع نساء الصحابة رضي الله عنهن، مع ما فيهن من التقى والطاعة والإيمان والخير والتستر، حتى كن يأتين قد تلفعن بمروطهن، كأنهن الغربان، لا يعرفن رضي الله عنهن[6]، ومع ذلك يؤمرن في هذه الحال، ألا يرفعن رؤوسهن حتى يستوي الرجال جلوسًا، مع الأمانة والثقة والطهر والوحي ينزل في ذلك العهد، قد أُمرن بذلك . فكيف يدعى أن اختلاط النساء بالرجال في الجامعات أن هذا الوجه من وجوه التعلم الذي أمر به الإسلام، هذا من أعظم الإبطال في ضرب النصوص بعضها ببعض، ولا يجوز لأحد أن يضرب النصوص بعضها ببعض، تورد عليه النصوص هذه، ويقول الإسلام أمر بالعلم، أمر بالعلم لكن نهى عن أسباب الفتنة.
وهذا لا يجوز بين أهل العلم، لا يجوز لأحد أن يضرب النصوص بعضها ببعض، بل النصوص يوضح بعضها بعضًا، ويبين بعضها بعضا، حينما تأتي النصوص في هذا المقام مبينة وواضحة، بل قال عليه الصلاة والسلام: «خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها»[7]. مع أن النساء إن كن منعزلات فإن خيرها أولها، وشرها آخرها، هذا المفهوم والله أعلم.
لكن الشأن أن الحكم للنساء كالرجال بمعنى أن الصف الأول للنساء كالرجال، النبي عليه الصلاة والسلام قال: «أتموا الصف الأول فالأول»[8] هذا عام للرجال والنساء، هذا الأصل والقاعدة، المرأة إذا صلت في المسجد في الصف الأول أفضل، والأخبار في هذا كثيرة، لكن هذا العموم مخصوص فيما إذا لم يكن بينها وبين الرجال فاصل، أو شيء يعزلها عنهم، فكلما تأخر الصف كان أفضل، لماذا؟ لتبتعد عن الرجال. تبتعد أين؟، في العمل؟ لا، بل في المسجد، في الصلاة، في العبادة، والمرأة جاءت تريد الخير، تسمع حي على الصلاة، لا تريد إلا الخير، والشيطان يفر في هذه المواطن، مواطن الذكر والخير، وفي مواطن الفتنة والأسواق، فيها باض وفرخ، كما قال سلمان الفارسي رضي الله عنه، وبها ينصب رايته[9].
فلا شك أن هذا أمر خطير، ثم إذا كانت المرأة متجملة، ومتزينة، أو متعطرة هذا أمر واضح في تحريمه، أنه لا يجوز، مادام أنها تخرج في المجامع ويجد الرجال ريحها، وهذا فتنة في الحقيقة، فتنة وبلاء، ومن أعظم المصائب، ثم يحصل من الأذى للنساء الشيء العظيم، فالمرأة تريد أن تتعلم، ثم تؤذى في تعليمها مثلا، حينما تؤمر أن تكون في مكان يختلط فيه الرجال، تتأذى من النساء المحتشمات اللاتي يردن العفة، والطهارة، وهذا والحمد لله وصفٌ عامٌ للنساء.ثم من سعى إلى الإفساد بهذه الطرق عليه الإثم والوزر الذي يترتب على هذه المفاسد العظيمة، فأقول على المرأة أن تتقي الله U هي ووليها ومن يعينها على هذا الأمر، وأن ينظر في المفاسد المترتبة على مخالطة النساء للرجال، والأخبار في هذا كثيرة، وسبق في مسألة سابقة، الإشارة إلى شيء من الأدلة، وما تعلق بالاختلاط، وكيف انعزال النساء عن الرجال في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وكيف كان لهن باب خاص يخرجن منه، وأدلة أخرى في هذا الباب. حتى إن عمر t لما رأى الأدلة واضحة، في مسألة تستر النساء، كان يريد t أن لا يؤذن لهن في الخروج، والنبي عليه الصلاة والسلام قال كما في البخاري «قد أذن لكن أن تخرجن»[10]. ولما خرجت سودة رضي الله عنها، وكانت امرأة طويلة تفرع النساء، فقال عمر قد عرفناك يا سودة، يعني يقول وإن استترتي فإنا قد عرفناك، يريد بذلك ألا يخرج النساء، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: «قد أذن لكن أن تخرجن».(11) والأصل في المرأة القرار في بيتها، لكن قد أذن والإذن عند الحاجة، ولهذا قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}(12). هذا الأصل في المرأة، فنسأل الله سبحانه وتعال أن يحفظ نساء المسلمين، وشبابهم، وأن يحميهم من كل سوء وشر، بمنه وكرمه، آمين.