ما حكم في رجل يشتغل ويشقى وليس يجيء بحاجة لنفسه بل يعطي الآخرين وليس يعطي حق نفسه وليس يجهز نفسه حتى للزواج ويجعل أباه هو الذي يحمل مسئوليته ؟
الحمدلله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ,
من يشتغل في عمل من الأعمال هذا أمر طيب وحسن كونه يعمل ويكدح هذا طيب ، لكن إذا كان ينفق هذا المال للغير ويخرجه كله في هذا يُنظر ، فصدقته وهديته وعمل البر والخير هذا مطلوب وهو عمل حسن يشكر عليه لكن إذا كان ينفق هذا المال كله لغيره ثم بعد ذلك يتكفف الناس يسأل هنا وهنا هذا ينهى عنه حتى ولو كان يسأل أباه فالحمد لله الذي أنعم عليك بالمال وتيسر لك هذا العمل فتخرجه ثم بعد ذلك تكون عالة على أبيك ؟ هذا أمر لا يحسن بل عليك في مثل هذا الحال أن تجعل هذا المال لنفقتك الخاصة، وأيضاً يكون إحسان منك لنفسك ولأهل بيتك وما أشبه ذلك، وقد تكلم العلماء في هذه المسألة وهو من يخرج ماله كله صدقات، وجمهور العلماء يقولون : إن من كان عنده قوة يقين وصدق وصبر واحتساب وليس له أولاد أو له أولاد يصبرون ويتحملون فذكر الطبري رحمه الله عن جمهور العلماء جواز الصدقة بجميع المال، أما إذا كان لا يصبر وهذا هو الغالب والواقع أن الإنسان حينما يخرج ماله وخاصة إذا كان له أولاد فالغالب أنه يشق عليه ذلك من أين ينفق على نفسه؟ من أين ينفق على أولاده ؟ يذهب ويتكفف الناس !! لهذا في حديث جابر عند أبي داود وقد أشار إليه البخاري رحمه الله وهو ذلك الرجل جاء ببيضة من ذهب الحديث فيه أنه جاء يتصدق بها فأعرض النبي عليه الصلاة والسلام وقال له : خذها يا رسول الله والله ما أملك غيرها ثم أعرض عنه حتى آتاه من جوانبه الأربع ثم أخذها منه في الرابعة فحذفه بها، قال الراوي جابر رضي الله عنه قال: " فوالله لو أصابته لعقرته " ثم قال - عليه الصلاة والسلام - يذهب أحدكم أو قال : يتصدق أحدكم بجميع ماله ثم يذهب يتكفف الناس(1) .
وثبت في الصحيحين إنه - عليه الصلاة والسلام - عند جابر لما دبر ذلك ماله جاء وباع دبر عبد له وليس له مال غيره باعه النبي - عليه الصلاة والسلام - ولم يرض تدبيره ،(2) و جاء في رواية : فاحتاج عند البخاري وجاء عند النسائي أن عليه دين والمعنى أنه كيف يبيع أو كيف يتصدق و يضيع حقوق الناس ولهذا بوب البخاري - رحمه الله - أن هذا المعنى أنه رد عليه ثم ذكر حديث أبو هريرة أنه من أخذ أموال الناس يريد أدائها أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله " (3) .
أما من كانت حاله حال الصبر والاحتساب فهذا حال أخرى حال عظيمة ولهذا النبي - عليه الصلاة والسلام - في القصة المعروفة التي رواها الترمذي بسند جيد لما جاءه أبو بكر بماله كله فقال : " ماذا أبقيت لأهلك ؟" قال : أبقيت لهم الله ورسوله .. الحديث(4)
فالمشروع في حق أخينا السائل أنه يستغني بماله ويتعفف ويعتمد على هذا المال بعد توفيق الله - سبحانه وتعالى - حتى لا يسأل أحد حتى ولو كان والده ويستعد به في أموره ونفقاته الأخرى وكونه يخرجه على وجه الصدقة والهبة والهدية ثم يعود ويسأل هذه حال ليست بالحسنة بل كون الإنسان يجعل قلبه مبتغي الله ولا يسأل أحد هذا هو الأكمل والأولى ، نعم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه كتاب الزكاة٬ باب الزجر عن صدقة المرء بماله٬
رقم الحديث ( 2441).
(2)أخرجه البخاري رقم (2141) ومسلم رقم (997). وانظر سنن النسائي (2546).
(3)أخرجه البخاري رقم (2257).
(4)أخرجه أبو داود (1678) ، والترمذي (3675) ، والدارمي(1660) والحاكم 1/ 414.