يقول السائل : ما حكم السلام عند الدخول والخروج؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
النبي عليه الصلاة والسلام يقول: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اٍسْم اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ خُروجه، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ بَيْتَه فَلَمْ يَذْكُرِ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ»(1) فالأحسن أن المسلم يأخذ على الظاهر إذا دخل؛ لأنها جملة شرطية، والجملة الشرطية هنا ظاهرها أنه عند كل دخول مثل قوله عليه الصلاة والسلام:« كَاَن إِذَّا دَخَلَ الخْلّاء قَالَ:اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِث» (2)«إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»(3) كما أنه كلما دخل الإنسان المسجد يسلم على النبي عليه الصلاة والسلام، وإذا خرج فإنه أيضًا يسلم على النبي عليه الصلاة والسلام. لكن قد يقال على قاعدة الشريعة: أنه إذا تكرر الشيء وكثر فإنه يخف حكم في هذا، وإذا ضاق الأمر اتسع والمشقة تجلب التيسير فإذا كان الإنسان مثلًا يكثر الدخول والخروج فالأقرب والله أعلم أنه إذا قاله مرةً واحدة كفى إلا إذا تطاول ما بين الدخولين مثل إنسان يذهب إلى الصلاة ويرجع فالأظهر والله أعلم أنك تقوله عند الرجوع من الصلاة كما تقول: الذكر عند الخروج، ولهذا قال: «إذا خرج الرجل من بيته»(4)كان إذا خرج من بيته قال في حديث أم سلمة "كان"، و"كان" إذا عُلقت في شيءٍ متكرر فإنها للتكرار عند الأصوليين رحمة الله عليهم إنما إذا جاءت بمعنى "الكون والوجود" فليست للتكرار، إذا جاءت" كان" مطلقةً غير مقيدة فإنها لمجرد الحصول والوقوع، وإذا جاءت مقيدةً بشيءٍ يتكرر فإن للتكرار؛ ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: «كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ»(5).
وهذا مرةً واحدة؛ لأن حجة معه حجة الوداع، فالأظهر والله أعلم أنه مثل ما تقدم أن هذه الجملة تحمل على ظاهر التكرار إلا إذا كثر مثل ما ذكر العلماء مثلًا في قيم المسجد حارس المسجد مثلًا الذي يدخل ويطلع يخرج كثيرًا فهذا نقول: إنه كلما دخل المسجد يصلي تحية المسجد مع إنه -عليه الصلاة والسلام- قال: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْن»(6) ففهم أهل العلم من هذا أن المراد بذلك الدخول المعتاد.أما الدخول المتكرر كثيرًا فلا يلزمه ذلك، وحصول التحية تحصل له بأول الدخول كذلك أيضًا فيما يظهر والله أعلم إذا كان هذا في باب السنة الراتبة وهي من باب تحصيل الخير فما كان من باب التعوذات، ودفع الشرور والحماية يظهر أنه من باب أولى لشدة الضرورة إليه، لشدة الحاجة لشدة حاجة الإنسان إلى دفع شرور الشياطين، وتحية المسجد تحصيل مصلحة، ولازم درء المفاسد مقدم على جلب المصالح فإذا كان هذا من باب دفع المفاسد وهو دفع شرور الشياطين فإن حصول مقتضى هذا الخبر بدفع شر الشياطين حينما يدخل يحصل بدخوله المعتاد، ولو أنه لم يقله عند الدخول المتكرر من باب أولى من عدم أمر من يتكرر دخوله للمسجد لصلاة التحية فهذا هو الأظهر والله أعلم. وإن كان الإنسان إذا أكثر من الذكر في حال الدخول والخروج فهو أولى، وإنما حصولها للحماية يظهر والله أعلم أنها تحصل؛ ولذا سبق أيضًا أنه يحصل بمجرد قول الرجل أو المرأة أو واحد من أهل البيت؛ لأنه ربما يحصل تفريطٌ من بعضهم أو حتى الصغار، والصغار معلومٌ أنه ربما تتعلق بهم الشياطين الصغار ربما تعلق بهم النجاسات وبهذا الشياطين تتحسس. قال ابن الجوزي ما معناه رحمه الله على حديث قول النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيحين عن جابر قال عليه الصلاة والسلام:«إذَا كَانَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ للشَّيْطَانَ انْتَشِارًا وخطفًا، فَإِذَا ذَهَبَت سَاعَةٌ فَحلُّوهُمْ أَو خَلُّوهُمْ(7)، وقَاَل عَلْيِه اَلصلَاةِ والسَلَام:" أَغْلِق بَابْك وَاذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ، وَأَوْكُئ سِقَائك وَاذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ، وَغَطْيِ إِنِائك وَاذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ، وَأَطْفِئ مَصَباحك وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ»(8).
هذا السؤال يذكرنا أيضًا أنه يتأكد هذا الذكر عند دخول البيت أول الليل يتأكد ما لا يتأكد عند دخول أول النهار أو وسط النهار فذكر الله عز وجل عند المغرب يتأكد لدفع الشياطين ؛ لأن للشياطين انتشار وخطفة في هذا الوقت؛ فلذا أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أيضًا بأن الأحرى بالصبيان أن يعلموا الأذكار؛ ولهذا كثير من الشرور تقع والمصائب بسبب التفريط في السنة خاصة في هذا الوقت، قال ابن جوزي فيما معناها: إن الصبيان لا يعتنون بأمر الطهارة وتتعلق بهم النجاسات، ومعلومٌ أن الشياطين تتعلق بالأشياء النجسة من مواضع الخلاء مثلًا موضع الخلاء والثياب التي يكون فيها نجاسة ثم أيضًا ما قال رحمه الله: "هم غير محصنين أيضًا" فزال عنهم التحصين، وحصل سببه تعلق الشياطين وهو النجاسات، وعدم وجود المانع للشياطين وهو التحصين بالذكر فهنا زوال المانع وفوات السبب فكان تعلق الشياطين بهم أشد فلذا شُرع تحصينهم وتعليمهم الأذكار وأن يبيِّن لهم، وأن يرشدهم من عدم كثرة الحركة ونحو ذلك أو أن يعلمهم أوراد يجتهد فإن لم يحسن من ذلك هو يورد ويقول أذكار، ويرجى الإنسان أنه إذا فعل ذلك أن يحفظه الله في نفسه وأهله ويدعو لنفسه ولأولاده يسأل الله سبحانه الحفظ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم(103) (2018).
(2)عن أنس بن مالك عند البخاري (142) ، ومسلم (375) ،
(3) أخرجه مسلم (713).
(4) عن أنسِ بنِ مالكِ، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا خرجَ الرجُلُ مِن بيته، فقال: بِاسْمِ الله، توكلتُ على اللهِ، لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله" قال: "يُقالُ حينئذٍ: هُدِيتَ وكفِيتَ وَوُقِيتَ، فتتنحَّى له الشياطينُ، فيقول شيطانٌ آخرُ: كيفَ لك برجلِ قد هُدِيَ وكُفِيَ ووقي؟ " أخرجه أبو داود(5095) والترمذي (3724) والنسائي في "الكبرى" (9837) وهو في "صحيح ابن حبان" (822).
(5) أخرجه البخاري (1539) ، ومسلم (1189) (33).
(6) أخرجه البخاري (444) ، ومسلم (714) (69).
(7) أخرجه البخاري (3304) ، ومسلم (2013) (98).
(8) أخرجه البخاري (3280) ، ومسلم (2012).