والدي توفي قبل أسبوع ونحن سبعة أولاد وثلاثة بنات ووالدتنا حفظها الله، وترك لنا منزل العائلة وأراضي و مجمع طبي وتجارة في المقاولات وكان والدي زوَّج الذكور، واشترى لهم سيارة وأعطاهم بعض المبالغ المالية للدراسة، وكتب عليه وقال هذه وكالة عليك، لابد تعيدها لكي
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
أسال الله أن يغفر لنا ولميتكم وعموم المسلمين، الحاصل أن أباهم كان يعطيهم عطاياته في حال حياته، وكان تارة يقول هذا المال لك ويرجع ويقيده أنه سوف يرجع وقت الحاجة وربما أعطاهم شيئًا من المال وألزمهم به، ولا يسأل الرجوع ولا يقول سوف ارجع فيه، فهو يختلف الحال، وكون الإنسان يعطي أولاده شيئًا من المال من البنين والبنات، هذا يختلف إن كان أعطاه شيئًا من المال لحاجته التي لا تقوم إلا بهذه العطية، فهذا فيه خلاف، الجمهور يرى المنع لكن الصحيح في هذه المسألة أنه لا باس أن يعطي، والصواب أنه لا بأس من العطية إذا أعطاه على سبيل الحاجة، مثل مهر الزواج، واحتاج إلى سيارة ينتقل عليها فهذه الحالة لا بأس حتى يستغني عنها ثم تعود بعد ذلك، وكذلك البنات وسائر الأولاد، أما أن يعطي عطية على سبيل الميل للأبناء دون البنات أو البنات دون الأبناء، هذا لا يجوز، ثم ذكر بعد ذلك أنه أعطاهم عطية، وقال للأولاد كل واحد مائة ألف وللبنات خمسون ألف، هذه تنبني على مسألة قسمة المال في الحياة، اختلف العلماء في هذا، فمنهم من يرى أن لا يقسم المال في الحياة، بل يدع المال على قسمة الله سبحانه وتعالى، وإذا قسم هل يقسمه بينهم على قسمة الله سبحانه وتعالى بعد الوفاة، أو يقسمه بينهم بالسوية، الجمهور على أنه يقسم بينهم بالسوية، المشروع عند بعض أهل العلم، كما قال الإمام أحمد أنه يعطيهم، على قسمة الله سبحانه وتعالى، والأظهر أن في هذه المسألة تفصيل أخر، الحال الأول: وهو إن كان قسمته للمال خشية أن يضر بعضهم بعضًا، أو يخشى أن يستولى الأولاد الذكور على المال، فيمنع البنات، أو يستلط على المال بعض الورثة والعصبة مثلًا، فإن كان على هذا الوجه هذا لا بأس به، وربما كان متعينًا إذا ظهر ذلك وتبين، لأنه يريد يرتفع الظلم والضرر، فيقسم للجميع المال، ويكون على قسمة الله سبحانه وتعالى،
الحال الثاني: أن لا يكون يحتاج إليه لكن أراد أن يبذل المال لهم وأن يجعلهم ينتفعون بالمال في حال حياته، ويسره ذلك ويحب ذلك، فهذا إن كان يعلم من نفسه أنه لا ينجب وأن لا يكون له أولاد بمعني أنه لا ينجب فلا بأس من ذلك، وإن كان أولى تركه وتكون قسمته، على قسمة الله سبحانه وتعالى (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) (1) يقسمه بينهم ولكل نصيبه من الورثة،
الحال الثالث: إن كان ليس قسمة لجميع المال، إنما من باب العطية لأحدهم، ولا تكون هذه العطية لها سبب من الحاجة، إنما أراد أن يعطي هذا شيئًا ويعطي هذه شيئًا من المال، فالقول بقول الجمهور أظهر في هذه المسألة، وتكون العطية على سبيل التسوية وكوننا نجعل هذا القسمة على قسمة الميراث هذا موضع نظر، لأن هذه القسمة في حال الحياة ولا تشبه القسمة حال الوفاة ، ثم إن النفوس تتشوف إلى مثل هذا، حينما يعطي الذكر ضعفي مال الأنثى ثم هو في حال الحياة، لا يدرى من الذي يموت أولًا، وربما أن هذه البنت قد تموت قبل أبيها أو الولد يكون قبل أبيه، المقصود هذه أمور لا تعلم،فإذا كانت هذه العطية، عطية ليست لجميع المال، قسمة لجميع المال، إنما شيء من المال يريد أن يعطيهم إياه، فالتسوية على هذا الوجه أقرب، وإلحاقها بالقسمة بعد الوفاة هذا موضع نظر؛ لأن هذا كميراث وهذه عطية ، وفي الصحيحين من حديث النعمان البشير،(2) وفي صحيح مسلم من حديث جابر أيضًا، جاء رواية تدل على التسوية، أنه قال: (أَكُلَ ولدك أعطيت مثل ما أعطيت هذا)،(3) ، والمسألة تقتضي المماثلة، ليست العطية في تسوية في أصل العطاء، أو المماثلة في نفس العطاء، لا، المماثلة في نفس العطية، وهي المال المعطى، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يفصلها تفصيل ولم يقل أعطي لفلان كذا، وهذا مقام يحتاج إلى بيان، وتأخير البيان عن وقت حاجة لا يجوز، وهذا الحكم أمر يخفى في إلحاق حال الحياة بحال الوفاة، وقال إن الصحابي يفهم أن المراد بهذا هو أن تكون القسمة، (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) (4) وهذا فيه نظر.
لكن يظهر والله أعلم أنها ليس على إطلاقها، وإنما حجرها على العطية المعتادة، لأنه أعطى عطية بشيءٍ من المال، شيئًا من المال، والنفوس تتشوف إلى مثل هذا، والمعنى يقتضي التسوية بينهم في نفس العطية، أما يتعلق بعطية الزوجة، هذه خارج الموضوع، فلا بأس أن يخص الرجل زوجته دون أولاده، فلو أعطى زوجته شيئًا من المال في حال صحته وحياته ليس المقصود منها الحيف ولا الميل، ولا صرف المال عن ورثته، ولا سبيل لذلك الذي يعطي هذه الزوجة مثلًا، لأنها زوجة أخرى ويميل إلى أولادها، هذا لا يجوز هذا حيف، وربما يعطي الزوجة لأجل هذا وتكون النية لأولادها دون أولاد الأخرى، أما إذا كانت عطية واضحة بينها ليس فيها ميل ولا حيف، فلا بأس ومادام أعطاكم هذه القسمة أعطى كل واحد من الأولاد مائة، والبنت خمسين، وعمل بهذا وتوفي على ذلك، فإن أقروا ما أعطى فهذا هو الأولى، لأنه قول معلوم، بل كثير من العلماء يرى أنه الصواب الذي لا ينبغي غيره، والزوجة إذا خصها بشيء كذلك، أن يكون لها فلا بأس، ثم ينبغي أن يعلم أن الأمر بينكم، ما دمتم أنتم رضيتم بالحال والواقع، وليس بينكم نزاع وأنتم متفقون على هذا فلا بأس ، وربما هناك مسائل في السؤال لم تتبين، ولم تظهر، هل هناك اختلاف أو نزاع فإن كان الحال والواقع أنه ليس بينكم شيء من النزاع والخلاف، وأنكم تجرون ما أجراه والدكم وأمكم تقول نحن نجريه على ما أجراه، في حال حياته، والظاهر من سؤالكم أنكم أيضًا تريدون ذلك، لكن أشكل عليكم هل يصح هذا أو لا يصح؟ وهل تصرف هذا لا بأس به ما دمتم أنتم رضيتم ذلك، والحال أنكم راضون فلا شيء فيه والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النساء الآية (11).
(2) أخرجه البخاري برقم ( 2587)، ومسلم برقم (1625).
(3) أخرجه مسلم برقم (1623)، ولفظه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه" فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته قال لا قال فليس يصلح هذا وإني لا أشهد إلا على حق " .
(4) سورة النساء الآية (11).