يقول : عَزَمت على حفظ صحيح مسلم خلال العطلة الصيفية فقد حفظت بلوغ المرام مع شرحه، ولا أعرف المنهج الصحيح في القراءة وفي كتب الرواة، وهل هناك كتب أخرى يلزمني فهمها وقراءتها مع حفظي لصحيح مسلم؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
أقول حفظ العلم من نِعم الله سبحانه وتعالى وخاصةً متون الأحاديث والأخبار، فإذا منَّ الله سبحانه وتعالى على العبد حفظ كتابه سبحانه وتعالى ثم يجتهد في حفظ ما تيسر من متون العلم، وإن كان ليس شرطًا في ذلك لكن هذا من الترتيب في طلب العلم، ولأن القرآن مفتاح العلوم كما يقول أهل العلم، وعليه أن يختار المتون التي درج عليها العلماء، ويختار المتون التي يَعتني بها علماء أهل بلده والتي تدرس في المساجد والمعاهد والكليات، فهذا مما ييسر له حفظ العلم، وحفظ البلوغ من نعم الله سبحانه وتعالى على العبد، وهذا الكتاب جمع أدلة العلماء على حسب اختلافهم أو إجماعهم وقول الجمهور ومقابل الجمهور، فمن حفظ هذا الكتاب فإن عنده أصولًا عظيمة مهمة في معرفة الخلاف وتأصيل المسائل، لكن الشأن في المحافظة ولذا ربما يجتهد في حفظه وهذه نعمة عظيمة كما تقدم، والنبي عليه الصلاة والسلام دعا في الحديث الصحيح بالنضارة لمن حفظ حديث «نضَّر الله امرًا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها فرُب مُبلغ أوعى من سامع». والحديث له روايات والحديث صحيح ثبت عن جمع من الصحابة، عن ابن مسعود عند أحمد والترمذي(1)، وعن زيد بن ثابت عند أحمد وابن ماجة(2)، وعن أنس أيضًا عند أحمد(3)، وكذلك بعضه عند أبي داود(4)، وجاء عن جمع من الصحابة عن نحوٍ من عشرين من الصحابة، وهو حديث صحيح ومن أهل العلم من قال إنه متواتر، فإذا حفظت كتاب البلوغ فالذي أوصي به أخي الحافظ له هو المحافظة عليه، والمحافظة أهم من الحفظ ولذا ربما يحفظه لكن قد يتفلت عليه وإذا أخذ في متنٍ آخر فإنه يزيل تفلته حيث تضيق عليه المراجعة، و يضيق عليه الوقت من جهة أنه يحفظ كتابًا ويسعى في حفظ كتابٍ آخر، فكونك تحافظ على هذا المتن حتى يرسخ في ذهنك وتستحضر ألفاظه وتستحضر معانيه هذا أهم من كونك تعمد إلى متنٍ آخر، قد تحفظه فيفوت عليك المتن الأول وقد تدرك هذا المتن الثاني أو تدرك بعضه، فتزدحم المتون في الذهن إلا لمن كان له حافظة قوية ونادرة هذا شأنٌ آخر،
لكن الكلام على المستوى العام لعموم الحفاظ الذين يعتنون بالعلم، ثم كتاب بلوغ المرام يعتبر أصل والأصل يحتاج إلى عناية ورعاية وتعاهد حتى يثبت، وإلا لو وضعت هذا الأصل وتركته وانصرفت إلى أصلٍ آخر فكأنك تؤسس الأصول ولا تبني عليها، وما فائدة الأصول والقواعد والأساسات إذا لم يُبنَى عليها؟! لأن الأصل عنه تتفرع الفروع وهذا الكتاب أصل والأصل يحتاج إلى رعاية بالانتباه له، ولو كان الأصل أصل شجرة يريد ثمرتها اعتنى بإزالة ما يفسد أصلها وكذلك بسقيها حتى تظهر الثمرة ويحصل ظلها وتحصل الخيرات كذلك هذه المتون هي أصول والأصول لها ثمرات والثمرات هي فروعها، فلو أن إنسان اختبر نفسه في هذا الكتاب الذي حفظه يجد مواضع كثيرة لا يحفظها وتفوت عليه، ربما غيره ممن لم يكن حافظًا له يحفظها ويستحضرها، لماذا؟ لأنه اعتنى بهذا الكتاب من جهة مراجعة أصوله، ومن ذلك أن تعتني بشروحه وهذا قد يُحصِل لك ما تريد من حفظ المتون الأخرى، فالذي أوصي به هو العناية بهذا الأصل العظيم وهو كتاب البلوغ، ثم مراجعة شروحه وخاصة سبل السلام فإنه من أعظم شروحه ومن أيسرها وفيه أصول وقواعد، فمراجعتك لهذا الكتاب ثم الاجتهاد في البناء على هذا الأصل بأن تراجع شروحه وأن تتدارسها مع إخوانك فيتكرر عليك هذا الكتاب كمتن ثم يتكرر كشرح تراجعه ثم يتكرر عليك أثناء الشرح، ثم بعد ذلك ترى الشواهد والأدلة الأخرى لما تحفظه فتتكرر معانيه وألفاظه في ذهنك فيكون أعظم وأرسخ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجـه الترمذي رقـم ( 2657 ). وابن ماجة رقـم ( 232) وأحمد في المسند (4146).
(2) أخرجـه الترمذي ( 2656). وابن ماجة رقـم ( 230 ) ،وأحمد في المسند (21079).
(3) أخرجـه ابن ماجة (236) وأحمد في المسند (12937). والطبراني في الأوسط رقـم ( 9444 ) .
(4) أخرجـه أبو داود رقـم ( 3660 )،