مصدر الفتوى :
فتاوى المسجد الحرام - رمضان 1435
السؤال :

يقول السائل : قلت إن العاصي يدخل النار ثم يطهر، وبعد ذلك يدخل الجنة، لكن ورد أن الحسنات والسيئات تكون في الميزان، فمن ثقلت موازينه، من كثرت حسناته دخل الجنة، فكيف الجمع بين هذا وذاك؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ; قال الله تعالى:{فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (*) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ}([1])، ويقول سبحانه:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}([2])، ويقول سبحانه:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (*)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}([3])، فالناس ثلاثة أقسام يوم القيامة:

  • من ثقلت موازينه هذا فائز، وذهبت تلك السيئات وكفرت، وهذا هو من الفائزين.
  • ومن خفت موازينه: فهذا في خطر، وقد يقسم أقسام.
  • ومن استوت حسناته وسيئاته، فهؤلاء قيل أنهم أهل الأعراف، جاء في هذا آثار عن بعض الصحابة، رأوا بالأدلة أن من رجحت حسناته فإن سيئاته ذهبت وزالت، إما أنها قابلتها فكفرتها، أو أيضاً الله أعلم يكون مكان كل سيئة حسنة، وهذا يسميه العلماء الموازنة، لأن العبد إذا جاء يوم القيامة يأتي بحسنات وسيئات، فإذا كانت حسنات العبد عظيمة وله سيئات، فينظر،{فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}([4])، وهذا الحديث ورد عند الترمذي، بإسناد تكلم فيه بعضهم وفيه: "أنَّ رجلًا من أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جلس بين يدَيْه فقال: يا رسولَ اللهِ إنَّ لي مملوكَيْن يُكذِّبونني ويُخوِّنونني ويعصُونني وأضرِبُهم وأشتُمُهم، فكيف أنا منهم؟ فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يُحسَبُ ما خانوك وعصَوْك وكذَّبوك وعقابُك إيَّاهم، فإن كان عقابُك إيَّاهم دون ذنوبِهم كان فضلًا لك، وإن كان عقابُك إيَّاهم بقدرِ ذنوبِهم كان كَفافًا لا لك ولا عليك، وإن كان عقابُك إيَّاهم فوق ذنوبِهم اقتُصَّ لهم منك الفضلُ الَّذي بقي قِبَلك، فجعل الرَّجلُ يبكي بين يدَيْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويهتِفُ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما لك ما تقرأُ كتابَ اللهِ؟ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}فقال الرَّجلُ: يا رسولَ اللهِ ما أجِدُ شيئًا خيرًا من فِراقِ هؤلاء، يعني عبيدَه، أُشهِدُك أنَّهم كلَّهم أحرارٌ"،(5) فمن جاء بسيئات وله حسنات، فإنه يُنظر في حسناته فإن غلبت حسناته ذهبت سيئاته، ولهذا يقول –عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح:"أتدرون ما المفلِسُ؟ قالوا:المفلِسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاعَ، فقال: إنَّ المفلسَمن أمَّتي، يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفك دمَ هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه"يؤخذ من حسناته لماذا؟ لكي تكفر ماذا؟ السيئات، هذا الموازنة، "فإن فَنِيَتْ حسناتُه"صارت حسناته قليلة، غلبت سيئاته"قبل أن يقضيَ ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرِحت عليه، ثمَّ طُرِح في النَّارِ"[صحيح مسلم] (6) وإلا إن غلبت حسناته غمرت سيئاته، "إذا كان الماءُ قلتين لم يَحمِلِ الخَبَثَ"[صححه الألباني] (7)، ولا تضر الجيف قاع البحر، السيئات جيفة لكن لا تضر البحر، بل يعلو منه الصدف والدرر، أما هذه الجيف فلا قيمة لها ولا تؤثر ولا تضر، هكذا الحسنات العظيمة، إذا كان للعبد سيئات وله حسنات عظيمة، {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(8) لأن سيئاته تنغمر وتكفر وتذهب بحسناته، حسناته تغمرها وتزيلها، هذا هو الظاهر والله أعلم والمعنى فيما يظهر والله أعلم مما جاء في هذه الآيات،



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1]سورة الأعراف، الآية: 8،9 [2]سورة الأنبياء، الآية: 47 [3]سورة الزلزلة، الآية: 8،7 [4]سورة الأنبياء، الآية: 47 (5) أخرجه الترمذي (3165) وأحمد في المسند (26444). (6) أخرجه مسلم في "صحيحه" (2581). (7) أخرجه أبو داود (63) والترمذي (67), والنسائي (52). وأحمد في المسند (4605) وصححه الألباني في الإرواء: (23). (8) سورة الأعراف، الآية: 8.


التعليقات