يقول السائل : ما حال من مات في الجاهلية هل هو في النار ؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها سألته عن أولاد لها ماتوا في الجاهلية،قال:"إن شئتِ أسمعتكِ تضاغيهم في النار(1)" رواه أبو يعلي،(2) وهذا خبر لا يصح، وكذلك أيضاُ ما ورد عند أحمد أنهم سألوا النبي عليه الصلاة والسلام عن أم لهم وأدت له بنتاً فقال: "الوائدة والموءودة في النار" عن الإمام أحمد(3)، هذا الخبر، إن ثبت هو محمول على من كان بالغاً، وأيضاً بلغته الشريعة، وأيضاً هو معنى ما ثبت عنه_ عليه الصلاة والسلام- في حديث عن أنس "أن رجلاً قال: يا رسول الله أين أبي؟ ، قال: في النار، فلما قفى دعاه، فقال: إن أبي وأباك في النار" صحيح مسلم (4)، وفي رواية عن البزار "حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار"(5) , وما قاله السيوطي وزعمه -رحمه الله- أن هذا هو اللفظ الصحيح، وكذلك ما قاله بعضهم وجاء في كتاب التذكرة للقرطبي، رحمه الله، أن الله عزَّ وجلَّ، أحيا أبويه وأنهما أسلما، هذا خبر موضوع لا أصل له(5)، فقد ثبت في الصحيح أنه- عليه الصلاة والسلام- "استأذن في زيارة قبر أمه فلم يؤذن له، وفي الاستغفار لها فلم يؤذن له، وأُذِنَ له في زيارتها"،(6) والمعنى أن أهل الجاهلية على أقسام: منهم من بلغته الشريعة وبلغه التوحيد فأصر ولم يسلم، ومنهم من لم تبلغه، واللذين لم تبلغهم الشريعة، فإنهم يمتحنون من أهل الجاهلية ،كما في حديث الأسود بن سريع(7)، وحديث أنس،(8) وحديث أبي هريرة(9)، أحاديث ذكرها ابن القيم- رحمه الله- في آخر تاريخ الهجرتين، والأصح هو حديث الأسود بن سريع أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: " أربعة يحتجون يوم القيامة على الله" ذكر منهم من مات في الفترة، وذكر من يقول جاءني نبيك ولا أعقل شيئاً، وذكر أيضاً بقية من يمتحنون، وأنهم يقام لهم شيء من النار، كعود ونحوه، أو كغصن من النار، أو أنه يقال لهم اذهبوا إلى النار، والمقصود أنه من أطاع فإنه تكون عليه برداً وسلاماً، ومن أبى طُرِح فيها، جاءت أخبار بهذا المعنى في مصادر متعددة، والصواب كما تقدم أن من مات في الجاهلية، لكن لا نعين الطفل لا نقول فلان، أو ولد فلان في الجنة لا يجوز، وأهل السنة رحمة الله عليهم، من عقيدتهم؛ أن لا نشهد لمعين بجنة ولا نار، إلا من شهد له الرسول- عليه الصلاة والسلام- مثل العشرة ومثل الحسن والحسين، وكذلك أيضاً ثابت بن قيس بن شماس، كذلك عبد الله بن سلام، كما جاء في رواية معاناها يدل على هذا المعنى، وجماعة من الصحابة أيضاً جاء تخصيصهم- رضي الله عنهم- لا نشهد لأحد جنة ولا نار، الا من شهد له الرسول -عليه الصلاة والسلام- واختلفوا فيمن أطبق الناس في الثناء عليه، هل هو من أهل الجنة، جمهور العلماء هل يُشهد له؟ أنه لا يشهد ، وذهب أبو ثور- رحمه الله- إلى أنه يشهد له في الجنة وكان يقول- رحمه الله- الإمام أحمد من أهل الجنة، لإطباق الناس عليه، لقوله -عليه الصلاة والسلام- : "أن النبي مر عليه بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال وجبت، وجبت، ومر عليه بجنازة فأثنوا عليها شرا فقال: وجبت، وجبت فقيل يا رسول الله ما قولك وجبت وجبت؟ قال: هذه الجنازة أثنيتم عليها الخير فقلت وجبت لها الجنة، وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرا فقلت وجبت لها النار، أنتم شهداء الله في الأرض"(10) عن أنس رضي الله عنه، والصحيح أن لا نعين لطفل صغير أن له الجنة، لكن نقول من مات منهم فهو في الجنة، ولهذا في صحيح مسلم فى حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "مات طفل من الانصار فقالت عائشة رضي الله عنها طوبى له عصفور من عصافير الجنة، قال عليه الصلاة والسلام مهلاً يا عائشة!! إن الله خلق الجنة، وخلق لها أهلاً، وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلاً، وهم في أصلاب آبائهم"(11) صحيح مسلم، فهذا فيه النهى عن التعيين، وكذلك أيضاً في الحديث الآخر، حينما قالت أم العلاء على عثمان بن مظعون لما توفي رضي الله عنه : "إن الله أكرمك، فقال صل الله عليه وسلم إنى وأنا رسول الله، لا أدرى ما يصنع الله بي، قالت: فوقع في نفسها شيء فرأت عيناً في الجنة لعثمان، فأخبرت النبي فقال: إنه عمله يجري له".(12)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحديث بهذا اللفظ:"إن شئتِ أسمعتكِ تضاغيهم في النار" هو حديث عائشة، أخرجه أحمد 6/208 والطيالسي 1576 من طريق أبي عقيل يحيى بن المتوكل عن بهية عن عائشة أنها ذكرت لرسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أطفال المشركين فقال: "إن شئت اسمعتك تضاغيهم في النار". قال الحافظ: حديث ضعيف جدا لأن أبا عقيل يحيى بن المتوكل مولى بهية متروك. قلت: ولجهالة بُهَيَّة.
(2) أما حديث خديجة رضي الله عنها؛ فقدأخرج أبو يعلى في "مسنده" 4/1686 من طريق سهل ابن زياد الحربي بصري ثقة: حدثني الأزرق بن قيس عن عبد الله بن نوفل أو عن عبد الله بن بريدة - شك سهل- عن خديجة بنت خويلد قالت: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قلت: بأبي أين أطفالي منك؟ قال: "في الجنة". قالت: وسألته: أين أطفالي من أزواجي من المشركين؟ قال: "في النار". قلت: بغير عمل؟ قال: "اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ".قلت:فهذا ضعيف لانقطاعه.قال الهيثمي: رواه الطبراني وأبو يعلى ورجالهما ثقات إلا أن عبد الله بن الحارث بن نوفل وابن بريدة لم يدركا خديجة. وفي مسند أحمد سَأَلَتْ خَدِيجَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَلَدَيْنِ مَاتَا لَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هُمَا فِي النَّارِ". قَالَ: فَلَمَّا رَأَى الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهَا قَالَ: "لَوْ رَأَيْتِ مَكَانَهُمَا لَأَبْغَضْتِهِمَا" قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَلَدِي مِنْكَ؟ قَالَ: "فِي الْجَنَّةِ" قَالَ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلادَهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَأَوْلادَهُمْ فِي النَّارِ" ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ، أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ), مسند أحمد(1131), قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف
(3) أخرجه أحمد (15923), والبخاري في "التاريخ الكبير" 4/72، والنسائي في "الكبرى" (11649) - وهو عنده في "التفسير" (669) -، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2474) ، والطبراني في "الكبير" (6319).
(4) أخرجه مسلم من حديث أنس رضي الله عنه رقم (203) (347).
(5) أخرجه البزار (1089) ، والطبراني (326) ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (595) ، والبيهقي في "الدلائل" 1/191-192 من طرق عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه: أن أعرابيا أتى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال:"في النار". قال: فأين أبوك؟ قال: "حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار".
(5) روى الخطيب البغدادي في كتاب”السابق واللاحق"بسند مجهول عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - فيه قصة أن الله أحيا أمه فأمنت ثم عادت. وكذا ما رواه السهيلي في “الروض"بسند فيه جماعة مجهولون: أن الله أحيا أباه وأمه فآمنا به. وقد قال الحافظ ابن دحية: هذا حديث موضوع، يرده القرآن والإجماع"أهـ"قرع الأسنة"ص(62).
وقال العلامة ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - في “الموضوعات” (1: 284) بعد أن ذكر حديثاً باطلاً موضوعاً فيه أن الله تعالى أحيا أبوي النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ليؤمنا به, قال: ”هذا حديث موضوع لا يشك فيه, والذي وضعه قليل الفهم, عديم العلم, إذ لو كان له علم لعلم أن من مات كافرا لا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة, لا بل لو آمن بعد المعاينة, ويكفي في رد هذا الحديث قوله تعالى" فيمت وهو كافر".
(6) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه رقم (978).
(7) حديث الأسود رضي الله عنه، أخرجه أحمد (15961), وابن حبان (16/356), والطبراني في الكبير(841).
(8) حديث أنس رضي الله عنه ، أخرجه أبو يعلى في المسند (4224), والبزار- كشف الأستار- (2174),
(9) حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه إسحاق بن راهويه في المسسند (15961), وابن أبي عاصم في كتابه السنة (404),
(10) أخرجه مسلم رقم (949).
(11) أخرجه مسلم رقم (2662).
(12) أخرجه البخاري رقم (7018).