مصدر الفتوى :
اللقاء المفتوح
السؤال :

هناك شاب استقام حديثًا اختلطت عليه المناهج فما هو المنهج الواجب إتباعه؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ; الاعتصام بالكتاب والسنة هما العصمة، والنبي أوصى بالكتاب والسنة،{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}(1) فهذا الواجب، الاعتصام بالكتاب والسنة، والاعتصام بحبل الله سبحانه وتعالى وأيضًا يكون مع أهل العلم على طريقة أهل السنة والجماعة التي لا تحزب فيها ولا اجتماع وهو منهج واحد وطريق واحد،{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُم فَاتَّقُونِ}ْ (2) في آية أخرى:{وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}(3) فهي أمة واحدة على طريق واحد وعلى منهاج واحد هذا هو الطريق، قال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}(4) وقال سبحانه:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(5) هذا هو طريق أهل الإيمان،{أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(6) فهم أمة واحدة، وحزب واحد، وجماعة واحدة بحبل الله سبحانه وتعالى، بالكتاب، والسنة، بها العصمة والأمان من الهلاك والضلال، وهي سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك، وهي طريقة أهل السنة والجماعة التي هم عليها منذ جاءت هذه الشريعة، جاء بها نبينا عليه الصلاة والسلام، وأخذ عنه أصحابه، ثم التابعون بعدهم، ثم لم يزل أهل العلم يأخذون هذه الطريقة إلى يومنا هذا، وهي طريقة واضحة وبيّنة والكتاب محفوظ،{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(7) الكتاب محفوظ، والذكر محفوظ، والسنة محفوظة ولله الحمد قيض الله لها رجالًا نفوا منها الكذب والباطل فلله الحمد والمنة، حفظ الله هذا الدين، وأقام رجالًا من أهل العلم حفظوه وبينوه ووضحوا الطريق المستقيم {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (8).{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}(9) فلا حول ولا قوة إلا بالله ولا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل، فالحمد لله الطريق واضح وبيّن، فعليك أن تلزم أهل العلم،   أهل السنة والجماعة، وتعتني بكتاب الله سبحانه وتعالى تلاوة وحفظًا وتدبرًا، وتعتني بالسنة، وكتب السنة منتشرة وموجودة، وأهل العلم موجودون، كتبهم ومؤلفاتهم ودروسهم ومحاضراتهم، فلم يضق السبيل ولله الحمد، وإياك والتحزب والتفرق، واحذر طريقة من جعل طريقه وديدنه هو نبذ أهل العلم وعيب أهل العلم هذه طريقة محدثة لا تعرف، وليست من طريق أهل العلم، ولم يزل أهل العلم يحذرون منها ويبينون عيبها وعوارها، وأن هذه طريقة أهل البدع وهو النبذ والسلب والعيب وهذه طريقة منكرة، على المسلم أن يحذر منها، وأن يحذر منها من رأى أحدًا من الناس واقع فيه مهما كان فعليه أن يناصحه فإن استجاب فالحمد لله، وإلا فليتركه وشأنه ولا يتعرض له، ولا ينبذه، بل عليه أن يحذر من هذه الطريقة، وأن طريقة أهل العلم هي الطريقة الواضحة البينة، وكن مع كل قوم على خير، وخذ منهم ما عندهم من الخير والهدى والصلاح، وإن رأيت على أحد خطئًا وبدعة فبينها بالتي هي أحسن، إن كانوا يأخذون عنك، وإن كان أمكن أن تبين ذلك، وإن رأيت في البيان وفي الدلالة ما يترتب عليه منكر فدع ذلك، وأعرض عنه، واعلم أنه ليس من الدين، فعز الدين وظهور الدين حيث تكون نتائجه صالحة وبيّنة واضحة، النبي عليه الصلاة والسلام وصل وتلطف مع أناس من المنافقين، وكان يتألفهم(10) ومع أناس ممن هم مغمورون في إيمانهم كان يتلطف بهم ويبتسم إليهم وربما كان بعضهم في الظاهر منافقًا، وما يسمى أيضًا بالزندقة حينما يظهر ويبطن خلاف ذلك، ومع ذلك إظهار المحبة، وإظهار التلطف به لا يدل على محبته ولا يدل على أنه عنده دين، وهاجر أناسًا من أخص أصحابه، ومن أجلهم،(11) ولم يكن هجره لهم لدنو منزلتهم، بل لرفعتهم هجرهم، ولدون منزلة أولئك وصلهم، ولكل شيء قدر، ولكل شيء ميزان، والعالم وصاحب الحق هو الذي يعرف خير الخيرين وشر الشرين، ليس الذي يعرف الخير من الشر، لا، الذي يعرف الخير من الشر هذا لا ينبل به لأن الحيوانات تعرف الخير من الشر، إنما ينبل الإنسان ويظهر دينه وعلمه حينما يميز بين خير الخيرين وشر الشرين؛هذا هو الواجب، وهو العلم، وهذا هو البصيرة. أن يكون للعبد عينان يبصر بهما الخير والشر، وينظر هل يقدم على تغيير هذا المنكر أو يحجم، هل يقدم على العمل لهذا الخير أو يحجم، لأن الأمر مفاسد ومصالح ولها أحكام في الاقتران والافتراق فينظروا متى يقدم ومتى يحجم بما نوره الله به من العلم والهدى ،{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}(12) وإذا رأيت تحزبًا واختلافًا بين ممن ينتسب إلى العلم والدعوة فاعلم أن ذلك ليس من الدين، ولله الحمد أهل العلم في بلادنا لا يعرف عنهم أنهم كانوا يسلكون هذا الطريق، ولم يعرف عنهم أنهم كانوا يعيبون أناسًا من أهل العلم والدعوة، بل كانوا يؤثرون عليهم بعلمهم وفضلهم وما ترتب من الخير العظيم على أيديهم بدروسهم ومحاضراتهم، والمصالح العظيمة لعموم الناس ولخصوصهم،  ويقولون: إذا رأيتم خطئًا من أحد فناصحوه وبيّنوا له، والحمد لله غالب أهل العلم والدعاة إلى الله في هذه البلاد وفي كثير من بلاد المسلمين هم على طريق الهدى والحق وطريق أهل السنة والجماعة توارثوها ورضعوها ونشئوا عليها، وبعض الناس ديدنه وطريقته من الصباح إلى المساء في منابذة أهل العلم، جعله طريقته ووسيلته وحياته وفكره ونظره كأنهم شر الناس، وانصرفوا عن أناس من أعداء الدين في إفساد البلاد والعباد والمجتمع، انصرفت سهامهم ورماحهم وكلامهم إلى أناس من أهل الخير والدعوة، وهؤلاء لا يردون عليهم لكلام أهل العلم وأن الواجب هو المناصحة والإعراض، فالناصح والمخلص الذي يريد الخير لا يعيب ولا يشين في الملتقيات والمجامع، ومن أظهر من كان يعمل بهذا شيخنا الشيخ ابن باز رحمه الله ومن معه من أهل العلم، كل منا قد سمعه من إخواننا وأصحاب جلسوا معه رحمه الله وكذلك مشايخه قبله وأهل العلم بعده على هذه الطريقة، يقول: إذا رأيتم طريقة من أهل العلم خطأ من منهجه، وقع في أمر مخالف للكتاب والسنة بينوا له لأن من كان ناصحًا لله، صادقًا في الدعوة إلى الله لا يمكن أن يصر على أمر مخالف للنص والإجماع، أما إذا كان المسألة أمرًا اجتهاديًا، أمرًا يُختلف فيه؛ هذا ولله الحمد يسعك ويسعه، ثم أقول: انظر إلى كثير ممن سلط لسانه وسهامه على أناس من أهل الخير والدعوة إلى الله، هل هناك ترتب مصالح؟ هل هنالك أمور من أمور الخير في هذا الطريق وهذا المنهج؟ أم ترتب عن ذلك العداوة والبغضاء والشحناء واستغلها أناس للوقيعة بين أهل العلم والدعوة، وانظر إلى من خالفهم ممن لا يسلك طريقتهم ويعرضوا عن طريقتهم من أهل العلم والدعوة الذين هم على طريقة أهل السنة والجماعة، لكن ربما خالف بعض الاجتهاد إلى ما ترتب من الخير والهدى والصلاح من العلم النافع والعمل الصالح، هذه هي الطريقة التي سلكها أهل العلم، والحكمة ضالة المؤمن،(13) وبعضهم ربما يعيب إنسان حينما يستفيد حكمة أو كلامًا من أناس يكونون عليهم بعض البدع، يعني  أنت لو سمعت كلامًا أو حكمة من أناس مغمورون لا يمتنع أن تذكر هذه الفائدة، هذا أبو هريرة رضي الله عنه أخذ الفائدة من الشيطان، النبي عليه الصلاة والسلام قال: «صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ»(14)، لكن حينما تذكر الفائدة وخشيت أن يترتب عليه تلبيس ممن يسمعك وأن هذا المبتدع الذي سمعت منه هذه الفائدة أنه يعني حينما تذكرها تخشى أن يلتبس الأمر تبين وتذكر لكن المقصود أن الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها أخذها،. ولهذا يذكر أناس من أهل العلم في هذا الزمان يذكرون الحكم والكلمات قد تنقل عن أناس من أهل الكفر من الكلمات التي فيها فائدة وفيها مصلحة، ولا يمنع ذلك الاستدلال بها في الأمور العامة مع البيان والتحذير ممن يخشى شره وضلاله في الأمور والبدع الظاهرة ومخالفة الإجماع، هذا هو الذي يُخشى. والعلماء نصوا على أن ما خالف النص والإجماع والقياس الجيد فهذا هو الذي يجب إنكاره، ثم إذا وقع إنسان مثلًا في شيء من هذا وكان خطؤه هذا الذي وقع فيه مرة وذلة وليس ديدنه ولا طريقته، هذا قد يقع، وقد وقع لبعض السلف مخالفة في بعض الصفات ولم يهجرهم أهل العلم ولم يبدعوهم؛ لأنه ليس طريقه وليس منهجه، إنما وقع على سبيل الخطأ، خلاف من يكون طريقه هذا السبيل في مخالفة الكتاب والسنة هذا يكون عن بدعة، أما من تقع منه المرة فهذا إذا نبه رجع إلى الحق. فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا وإخواننا صراطه المستقيم بمنه وكرمه..آمين.




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة آل عمران، الآية: 103. (2) سورة المؤمنون، الآية: 52. (3) سورة الأنبياء، الآية: 92. (4) سورة الحجرات: الآية: 10. (5) سورة التوبة، الآية: 71. (6) سورة المجادلة، الآية: 22. (7)سورة الحجر، الآية:9 . (8)سورة هود، الآية: 56 . (9)سورة الفاتحة، الآية: 6 .
(10) عن عائشة رضي الله عنها قالت، استأذن رجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ” إئذنوا لَهُ بئسَ أخو العَشيرَة هُوَ، فلما دخل ألان له القول، قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله، قلت عنه الذي قلت، ثم ألنت له القول!! قال: يا عائشة، إنّ شَرّ الناس مَنزلة عند اللّه يوم القيامَة من ودَعَهُ أو ترَكَهُ الناسُ اتّقاء فُحشه. أخرجه البخاري(6032). وذكر الحافظ ابن حجر في شرحه أنه وقع في بعض الطرق بلفظ "إنه منافق أداريه على نفاقه وأخشى أن يفسد عليَّ غيره" وهو عند الحارث بن أبي أسامة برقم (800) في بغية الباحث للهيثمي من حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه، وأخرج البخاري برقم (6132) حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنهما قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبية ولم يعط مخرمة شيئاً فقال مخرمة: يا بني انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت معه فقال: ادخل فادعه لي، قال: فدعوته له، فخرج إليه وعليه قباء منها، فقال صلى الله عليه وسلم: "خبأت هذا لك" فرضي. قيل إن في خلق مخرمة شيء وفي لسانه شدة، فلاطفه النبي صلى الله عليه وسلم وداراه وطيب خاطره. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتابه مداراة الناس والحلم برقم (109) والبيهقي في الشعب (8103) عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: إنا لنكشر في وجوه قوم وإن قلوبنا لتلعنهم. (11) مثل قصة هجرانه صلوات الله عليه لكعب بن مالك رضي الله عنه، أخرجه البخاري رقم (4418)، ومسلم (2769). (12)سورة البقرة، الآية: 282 .
(13) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الكلمة الحكمة ضالة المؤمن ، حيثما وجدها فهو أحق بها". أخرجه"الترمذي" (3687)  وابن ماجة (4169)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/95). كلهم عن عبد الله بن نمير ، عن إبراهيم بن الفضل ، عن سعيد المقبري ، فذكره.قال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وإبراهيم بن الفضل المدني المخزومي ، يضعف في الحديث من قبل حفظه، وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح؛ قال يحيى بن معين إبراهيم بن الفضل ليس حديثه بشيء، وقال الشيخ الألباني: ضعيف جدا، وانظر ضعيف الجامع رقم (4301). (14) أخرجه البخاري رقم (3275) ومسلم (806) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه


التعليقات