هل قاتل المؤمن متعمدًا يكون مخلدًا في النار أم لا؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
قتل المؤمن كبيرة من كبائر الذنوب، والأدلة من الكتاب والسنة، قال الله عز وجل (ومَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ولَعَنَهُ وأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (1)، وجاء في حديث معاوية رضي الله عنه (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا رجل يشرك أو يقتل نفسًا متعمدًا) (2) وهذا الحديث في قتل النفس خلاف بين العلماء لكن الشاهد في تشديد الأمر في قتل المسلم، وأنه جرم عظيم وذنب كبير، وهذه اختلف العلماء فيها، والصواب من الأقوال في هذه المسائل واختاره ابن جرير رحمه الله، وذكره عن جمع من السلف أن المعنى أن هذا هو جزاءه إن جازاه ، أو هذا جزاءه إن شاء جازاه به وإن شاء لا يجازه، الآية ليس فيها أن قاتل المؤمن يخلد في النار، ولم يخبر سبحانه وتعالى ولم يقل إنه يخلد في النار، لكن أخبر أن هذا جزاءه، هذا هو الجزاء، ولا يلزم بأن يكون هذا الجزاء أن ينفذ، وأن هذه عقوبته، كما يقول إنسان مثلًا هذا الظلم وهذا التعدي جزاءه كذا وكذا، لكني أعفو عنه ونحو ذلك، هذا يقع بين الناس فالله عز وجل أخبر أن هذا جزاءه، قال فجزاءه جهنم خالدًا فيها، ولم يقل إنه في جهنم أو يعني جزاء هذه العقوبة، أولم يقل مثلًا إنه يعاقب بهذا الشيء، إنما أخبر عنه أن هذا هو الجزاء، ولذا قال أبو مجلز رحمه الله كما رواه عنه ابن جرير بسند صحيح، قال هذا جزاءه إن شاء جازاه، وقال هذا إسناد صحيح،(3) وقال أبو صالح إن شاء جازاه وإن شاء لم يجازه، وقد صدق ابن جرير رحمه الله الأقوال في هذه المسألة بهذا القول، وذكر عدة أقوال لكن صدق منها هذا القول وحكاه أولًا وعن أبي مجلز وجماعة منهم أبو صالح، واختاره رحمه الله وقال هذا المعنى ولا شك واضح للآية، قال الله عز وجل (إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ) (4)، والمؤمن ومن قتل مسلمًا جاء فيه القصاص، إن شاء اقتص ممن قتل متعمدًا وإن شاء العفو وإن شاء اصطلحوا على الدية، هذا كله يدل على هذا المعنى، وهذا محل إجماع من السلف رحمة الله عليهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النساء :الآية 93 .
(2) أخرجه النسائي في السنن الصغرى (7/81) وفي الكبرى ( 3446).
(3) تفسير الطبري ( 9 / 61).
(4) سورة النساء، الآية 48 . وهو قول أبي هريرة وأبي مجلز وأبي صالح ورجحه ابن جرير الطبري في تفسيره ( 9 / 61).