• تاريخ النشر : 01/06/2016
  • 236
مصدر الفتوى :
اللقاء المفتوح
السؤال :

هل كل من وقع في شرك أو كفر هو مشرك؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ; فرقٌ بين الشيء الشيء المعين الذي يكفر به الإنسان؛ يقال: هذا كفر, ونفس الشخص الذي وقع؛ فرقٌ بين نفس ما يكفر به الشخص أو يُقال من فعل هذا الشيء فهو كافر والشخص المعين.فلا نحكم على شخص بأنه كافر بل نقول: من فعل هذا فهو كافر, ثم عندنا قسمة إما أن يكون هذا الإنسان ممن يدين بالإسلام وهذا الغالب الذي يذكره كثيرٌ من أهل العلم من يدين بالإسلام ويعمل بشعائر الإسلام فيقع في مكفر, الغالب الذي يدين بالإسلام ويعلم وهو مؤمنٌ بدين الإسلام لا يمكن أن يقع في مكفر إلا عن تأويل أو عن جهل، أما كونه يقصد الوقوع في المكفر هذا لا يكون مع إسلامه وبقائه على دينه, لأنهما متنافيان ، فلذا قد يكون وقع عن جهل, قد يكون مع شدة فرح أنسته هذا الشيء, مثل ما قال: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك"(1) أخطأ من شدة الفرح, وربما يكون عن جهل مثل ذاك الرجل الذي قال:"والله لن يقدر الله علي"(2) الحديث، فهذا يبلغ العلم, فإذا بلغه العلم وقامت عليه الحجة عومل معاملة أمثاله. وذلك أن الله سبحانه وتعالى لا يُعذب أحد إلا بعد بلوغ الحجة هذا أمر متقرر ولهذا قال: «رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ»(3).وقال سبحانه وتعالى: «لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ»(4). وقال سبحانه وتعالى: «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ»(5) أي شيء فيه تقوى والله أمر به لابد أن يُبيَّن, ولهذا نقول: إذا كان هذا من التقوى لا بد أن يبيَّنه سبحانه وتعالى, فالرسل جاءوا بهذا صلوات الله وسلامه عليهم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ ثم لا يُؤْمِنْ بِالَّذِي جئت بِهِ إِلا كان من أهل النَّارِ»(6). قال: لا يسمع فعلقه بسمعه ، فما كان لم يبلغه فهذا ينقلنا للمسألة الثالثة وهو الكافر الأصلي. هل هو كالمسلم الذي دخل في الإسلام ثم وقع في مكفر؟ أو له حكم خاص؟ نقول: المسلم يعامل معاملة المسلم في جميع الأحكام, وإذا حصل منه خطأ أو غلط بُيَّن ذلك وهذا لا يزيله عن الإسلام، بل لو كان الإنسان اجتهد في مسألة يؤجر عليها, (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر) (7), كل إنسان يجتهد في مسألة وهو يبذل وسعه فوقع في خلاف القول الصواب, فإنه باجتهاده يؤجر, أما خطأه فيرتب حكمه بحسب خطأه, ثم يبين له. والذي يريد الحق ويجتهد إذا بلغه العلم رجع واستغفر, كما كان الصحابة t في مسائل حينما بلغتهم رجعوا، ومنهم من يستغفر الله سبحانه وتعالى مما وقع فيه لأنه لم يبلغه العلم, فلما بلغه سلم به وهكذا, وهذا يشمل حتى أهل العلم كل إنسان من أهل الإسلام يقع في خطأ أو غلط مهما كان فإنه يُعذر بذلك, ويكون مجتهد مأجور بهذا الاجتهاد, إذ لا يكون في الباطن إنسان يقصد الكفر وهو في الظاهر مسلم إلا إنسان زنديق، فلذا يعامل ظاهرًا من أهل الإسلام؛ قصدي في الأحكام الأخرى فإنه لو مات يغسل, يكفن, ويصلى عليه, ويرثه قرابته.أما إذا كان كافرًا أصليًا فهذا أحكامه في باب الكفر تبقى؛ يعامل معاملة الكفار في الدنيا أما في الآخرة فالأمر إلى الله هذا القول المختار وعليه الأئمة رضوان الله عليهم وأن من كان يتعبد لله سبحانه وتعالى يظن أنه على الحق وأنه على الدين, مثل إنسان مات على نحلته النصرانية ولم يسمع بالنبي صلى الله عليه وسلم, ولم يسمع بالإسلام, ويظن أن ما عليه هو الحق فهو يعامل في الدنيا معاملة الكفار, أما في الآخرة فأمره إلى الله. وثبت في الأخبار الصحيحة من حديث الأسود بن زريع(8) وحديث أبي هريرة(9), ومعاذ ابن جبل(10), وحديث أنس(11), وذكره ابن القيم رحمه الله في طبقات المكلفين في آخر طريق الهجرتين  وفيه أنهم يختبرون(12), وهذا هو الصحيح في هذه المسألة أنهم يختبرون يوم القيامة {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}(13).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) حَدِيثُ أنس رضي الله عنه أخرجه البخاري (6309).و مسلم (2748). (2) حَدِيثُ أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه البخاري (3481).و مسلم (6848). (3) سورة النساء. الآية 165. (4) سورة الأنعام. الآية 19. (5) سورة التوبة. الآية 115. (6) حَدِيثُ أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه مسلم (155). (7) حَدِيثُ عمرو بن العاص رضي الله عنه أخرجه البخاري (7352).و مسلم (1716). (8)عن الأحنف بن قيس عن الأسود بن سريع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال  أربعة يحتجون يوم القيامة رجل أصم ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في الفترة فأما الأصم فيقول يا رب لقد جاء الإسلام وما اسمع شيئا وأما الأحمق فيقول رب قد جاء الإسلام والصبيان يحذفوننى بالبعر وأما الهرم فيقول رب لقد جاء الإسلام وما أعقل وأما الذي مات في الفترة فيقول رب ما أتاني لك رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم رسولا ان ادخلوا النار قال فوالذى نفسي بيده لو دخلوها كانت عليهم بردا وسلاما". أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده (16344) وابن حبان في صحيحه (7357)، وفي مسند إسحاق بن راهويه رقم(41)، والطبراني في معجمه الكبير (841).وانظر الأحاديث الصحيحة للألباني رقم الحديث( 1434 )،و صحيح الجامع الصغير (881). (9)عن علي بن زيد عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أربع كلهم يدلي على الله بحجة وعذر رجل مات في الفترة ورجل مات هرما ورجل معتوه ورجل أصم أبكم فيقول الله لهم إني أرسل إليكم رسول فأطيعوه فيأتيهم فيتؤجج لهم نارا فيقول اقتحموها من دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن لم يقتحمها حقت عليه كلمة العذاب. أخرجه أحمد في المسند (15866) إسحاق ابن راهويه في مسنده ( 514) والبزار في مسنده - كشف الاستار - (2172) كلهم من طريقعلي بن زيد وهو ابن جدعان وهو ضعيف لكنه قد توبع فقال الإمام أحمد 4/24 ثنا علي ثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن الحسن عن أبي رافع به. وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات. (10) وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يؤتى بأربعة يوم القيامة بالمولود وبالمعتوه وبمن مات في الفترة وبالشيخ الفاني كلهم يتكلم بحجته فيقول الرب تبارك وتعالى: لعنق من النار..الحديث أخرجه أبو يعلى في المسند (4224) والبزار في مسنده - كشف الاستار - (2174) والبيهقي في الاعتقاد(1/135) و قال الهيثمي ( 7 / 216 ): " و فيه ليث بن أبي سليم و هو مدلس و بقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح " (11) وعن معاذ بن جبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " «يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلا، وبالهالك في الفترة، وبالهالك صغيرا، فيقول الممسوخ عقلا: يا رب لو آتيتني عقلا ما كان من آتيته عقلا بأسعد بعقله مني، ويقول الهالك في الفترة: يا رب لو أتاني منك عهد ما كان .. الحديث أخرجه الطبراني في معجمه الكبير (158) وفي الأوسط (7955)وفي مسند الشاميين(2205) وأبونعيم في الحلية(6754)، وفي إسناده عمرو بن واقد، وهو متروك عند البخاري وغيره، ورمي بالكذب، (12) طريق الهجرتين لابن القيم (397- 401). (13)  سورة الكهف. الآية 49.


التعليقات