ما قولكم في حكم تهنئة النصارى بأعيادهم, وحكم من يهنئهم بذلك؟،
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
تهنئة النصارى بأعيادهم محرم ولا يجوز باتفاق أهل العلم أنه ، وهذا ماجاءت به النصوص، وهو قول السلف قاطبة رحمة الله عليهم ومن ذكر الاتفاق على هذا ابن القيم رحمه الله في أحكام أهل الذمة, ولا يكاد يعلم نزاع في هذه المسألة إلا في هذا الزمان الذي كثر فيه خلاف الإجماع وعدم المبالاة بالنصوص, ولا حرمة لكلام أهل العلم الذين يتكلمون بالنصوص, وهم بهذا كسروا حاجزًا عظيمًا وخرقوا هيبة العلم، وحينما يكسر حجاب العلم, وتخرق هيبته فإنه يحصل الوقوع في أقوال شاذة ومنكرة, حتى يظن أن هذا القول قول له وجهه وقول له دليله؛ وربما أنه يعلم أن المسألة محل إجماع أو لا يعلم وكلاهما مصيبة, ومسألة التهنئة بالأعياد غير مسألة عيادتهم أو التهنئة بالولد, أو التهنئة بالزواج ونحو ذلك, هنالك تهنئة مختصة بأعيادهم التي هي من أمر دينهم, هذا لا يجوز باتفاق أهل العلم, وهذه الأعياد التي يقيمونها يحيون بها دينهم الباطل, ويحيون بها العقيدة الباطلة, وهي أن الله ثالث ثلاثة وأن المسيح ابن الله وما أشبه ذلك من باطلهم, فأنت حينما تهنئهم، كأنك تهنئهم على قولهم إن الله ثالث ثلاثة, وتهنئهم على قولهم إنه ابن الله, هل يقول هذا أحد؟، هل يجوز أن يقال لهم أهنئك على هذا، سواء كان بكلام أو ببطاقة، والله يقول: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ}(1). وقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}(2)
الله أخبر أنه قاتلهم ولعنهم وفي هذا تهييج لأهل الإسلام على قتالهم حتى يذعنوا بحكم الإسلام بمعنى أن يسلموا أو يستسلموا, فلا يبقى في الأرض إلا مسلم أو مسالم, ومع ذلك يقول هؤلاء لا بأس بذلك, أن تهنئهم على هذه الأعياد التي هي كفر وتكذيب للقرآن والعياذ بالله, زيادة على ما في أعيادهم من المعاصي وشرب الخمور, والفواحش, والمنكرات, جمعت جميع أنواع الفواحش التي أجمع المسلمون على تحريمها, وكذلك ما هم علية من شرك وضلال, ثم أيضًا الفارق بين المسلم والكافر هو العداوة.
{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}(3). كذلك قال:{لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}(4). ومن المسلمين من يرسل التهنئة بإرسال البطاقة، والتهنئة هذه إلقاء بالمودة، والله سبحانه وتعالى أخبر أن العلة {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}. إنما الذي يشرع كما قال سبحانه {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(5)
.فمن التلبيس أن يجعل البر والعدل هو عين التهنئة، فالبر والعدل بشرط {لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} البر والإحسان مطلوب جاءت به النصوص {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (6).
لكن إياك ثم إياك أن تهنئهم على الكفر، ثم هذا في الحقيقة معناه زوال العداوة بين المسلم والكافر، كيف تهنئهم على هذا الشيء الذي هو عين ما يكون عداوة وفاصلًا بين المسلم والكافر.
وهذا لا ينافي العداوة القلبية أن تحسن إليه وأن تبره ولذا لا تبدأهم بالسلام، إذا كان السلام لا يُبدءون به(7)فكيف يهنئون بأعيادهم التي يحيون فيها الكفر؟
ثم هنا معنى آخر نبه عليه شيخ الإسلام رحمه الله أن تهنئتهم على أعيادهم من أعظم الأسباب الداعية إلى تمسكهم بدينهم، وإلى تجبرهم وعتوهم وعلوهم؛ لأنهم حينما يهنئون يعتقدون أن أهل الإسلام يجعلونهم على حق وهذا عين ما يقوله كثير من الناس، بل إن بعض هؤلاء يصف اليهود والنصارى بالوسطية وأنهم وسط في سلوكهم، يعني يأتي إلى قادة الكفر والشرك ويصفهم بهذا الوصف ردًا على من خالف من علماء المسلمين الذين يستدلون بالأدلة، وهذه مصيبة وطامة عظيمة والعياذ بالله، فكما تقدم في كلام شيخ الإسلام رحمه الله أن هذا من أعظم أسباب جرأتهم، أما البر والإحسان إليهم فهو سبب لدعوتهم إلى الإسلام والمقصود هو أن يدخلوا في الدين وأن تعاملهم معاملة طيبة، أما ما يصنع معهم في أعيادهم عكس لهذا المقصود، وهذا مشاهد كما ذكر أهل العلم، مشاهد ومجرب، حيث يجترئون على أهل الإسلام ويظنون أن ما هم عليه هو الحق.ثم نقول هل اقتصر الإحسان إليهم في هذا اليوم المشئوم، هذا اليوم الذي هو يوم عيدهم مشئوم عليهم، ومشئوم على من يوافقهم عليه لما فيه من شؤم الكفر الذي يظهرونه، وشؤم المعاصي، لأن المعاصي لها شؤم ولها شر على صاحبها وعلى من يلوذ به، فحينما تحسن إليهم في أيامك كلها ثم تفارقهم في هذا العيد فهذا من أعظم أسباب انكسارهم ورجوعهم إلى الحق.فأقول وصيًة لنفسي ولإخواني ممن خالف في هذه المسألة وخالف إجماع أهل العلم وظن جواز تهنئتهم وخلط الأمر بما يتعلق بتعزيتهم أو تهنئتهم بولد أو زواج ونحو ذلك من التهاني أن يراجع نفسه، وأن يعاود نفسه في هذه المسألة؛ لأنه قد يحصل بها ضلال لكثير ممن يتبع ويسمع قول من يقول هذا القول، وزلت العالِم يزل بها عالَم، كما قال بعض أهل العلم،فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يدلني وسائر إخواني على السداد والصواب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة: المائدة، الآية (73).
(2) سورة: التوبة، الآية (30).
(3) سورة: المجادلة، الآية (22).
(4) سورة: الممتحنة، الآية (1).
(5) سورة: الممتحنة ، الآية (8).
(6) سورة: البقرة ، الآية (195).
(7) أخرجه مسلم رقم (2169).