يقول السائل : هل تجوز العمليات الاستشهادية؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
الله أعلم، هذه المسألة مما وقع فيها الكلام كثيراً، وتكلم فيها أهل العلم، منهم من حرم وقطع بذلك، ومنهم من جوز وقطع بذلك، ومنهم تردد ومنهم من فصل في هذا، ولاشك أن التفصيل في هذا المقام هو الأولى، والذي ينبغي ويحصل أن تترك هذه المسائل لأهلها من أهل العلم في البلد الذي يبتلى أهل البلد بها، مثل إخواننا في فلسطين مع اليهود فيترك هذا لأهل العلم، فإذا اعتمد أهل العلم فتوى في هذا الباب ورأوا أن هذا مما يضر بالعدو، ويكون نكاية في العدو ويكون دفعاً لشره وفساده، ولو لم يستعملوا معهم هذا الأسلوب فإنهم يسومونهم سوء العذاب، فهم رأووا ذلك فلا بأس فالأمر إليهم فالمسألة مسألة اجتهادية، فلا يعترض على العالم حينما يفتي في مسألة خاصة في أمر يتعلق به، ويرى أن المصلحة ظاهرة ولا ينبغي أن يقول أو يفتي من أفتى من يرى خلاف هذا القول، وهذه الفتوى ربما تؤثر في عضد أهل الإسلام، أو المرابطين والمجاهدين، وربما أيضاً تفرح الأعداء ويستشهدون بمثل هذا. فهذه أمور ملاحظة، بل نص أهل العلم أن القول الذي يكون راجحاً ودليله بين ربما يكون مرجوحاً، فلا يجوز بيانه ولا ذكره حينما يترتب مفسد على مثل هذا. وهذه أصول معلومة في السنة وأن النبي عليه الصلاة والسلام سكت عن أشياء ولم يبينها، مع أنها من الدين خشية أن تفهم على غير المقصود، أو تفهم على غير المراد، فكذلك أيضاً مثل هذه المسائل وأهل العلم لم يزالوا يسلكون هذا المسلك، ربما يسكتون عن بيان بعض العلم خشية أن يقعوا في ما أشد منه. وهذا قد بوب عليه البخاري رحمه الله بهذا المعنى باب" من خص بالعلم قوماً دون غيرهم كراهية ألا يفهموا فيقعوا في أشد منه"،أرأيت كراهية ألا يفهموا فيقعوا فالمعنى ترتب عليه أن يقعوا في ما هو أشد منه، والآثار في هذا معروفة، الذي أقوله أن من استدل بأدلة في هذا الباب، ومعاني قوية تدل على هذا، وقالوا إن هذه العمليات استشهادية وليست انتحارية فرق بين المنتحر ومن يأتي يريد أن يكف الأعداء راغباً ونفسه مطمأنة ونفسه طيبة وفرحاً بهذا، عن إنسان وقع في نكد وضيق بسبب إعراض عن الله سبحانه وتعالى، وما وقع فيه من المصائب والذنوب والبلايا التي آلت به إلى الوقوع في جريمة انتحار. فرق بينهما وأن يجعل هذا كهذا ولا يقاس على هذا، ثم ما يترتب على ذلك من مصالح، وإن ما قالوه إنه في الحقيقة نوع من الانغماس الذي ذكره علماء الإسلام، أهل العلم متفقون على أن الانغماس في العدو الذي مصلحته ظاهرة أنه أمر مطلوب مشروع. وهذا قد جاءت به الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم عن أبي أيوب وغيره ونص عليه أهل العلم(1)، لأن المقصود هو النكاية في العدو. وأن الصحابة رضي الله عنهم في وقائع وقصص معروفة، منها حديث قصة البراء بن مالك(2) حينما رفع على الرماح في معركة اليمامة ورمى بها الصحابة هم الذين رموه بها، هل يقال أنهم قتلوه؟ يعني لو أن إنسان في الحالة المعتادة رفع جماعة أخذوا إنسان فرموه على مكان هو مقتله على سيوف أو في نار، فإنهم يكونون قتلة، فإذا قيل أن هذه العمليات الإستشهادية انتحارية، على هذا كذلك من تسبب فيها فإنه يكون آثم، فعلى هذا ما فعله الصحابة في اليمامة حين رفعوه ورموا به على الباب، وهو يقطع بأنه سوف يقتل، هل يقال أنهم قتلوه وأن تسببوا في قتله، فأهل العلم يقولون أن من دفع إنساناً إلى شيء يموت به فإنه يكون قاتل، فربما تكون هذه القصة دليلاً في هذه المسألة، وهو أنه ليس من جنس الانتحار بل مصلحته ظاهرة، ولهذا فعلوه الصحابة رضي الله عنهم، فمن تأمل مثل هذا الأثر وجد ذلك، ثم الذي ينغمس فيما ذكره العلماء يقطع في الغالب يقطع أنه سوف يموت هل يقال أنه هو قتل نفسه حينما ، يعني لا فرق بين أن يكون الإنسان حينما في الحالة الذي ينتحر أن يقتل نفسه مثلاً بشيء بيده أو يرمي نفسه على شيء يقتله، ما الفرق بينهم لا فرق بينهم فهو منتحر، لو أن إنسان قتل نفسه بشيء وآخر رمى نفسه على موضع، مثل رمى نفسه من مكان عالٍ أو رمى نفسه على سيوف أو محل يعني يقتله، فهو قاتل لنفسه. فهذه الوقائع تدل على الفرق العظيم بين الأمرين وأيضاً مما استدل به أو ما يستدل به أيضاً قصة الغلام،(3) حينما قال لذلك الملك الظالم الذي فعل ما فعل وإنك لست بقاتلي القصة في ذلك حتى تفعل كذا وكذا، وفيه كذلك أنه دل على قتله بشيء ومعلوماً، أن من دل مثلاً على إنسان وقال على مكان إنسان وقال هو في هذا المكان حتى يقتل، أو ناول شخصاً يريد أن يقتله مثلاً، فإنه يكون مشارك فلو قيل إن هذه أيضاً عمليات هي حكم العمليات كالإنتحار، قيل أن مثل هذا الشيء ومثل هذا العمل فهو محرم، عن النبي صل الله عليه وسلم ساق مساق المدح والثناء، فدل على أنه مما يثنى عليه وما ساقه النبي ساقه المدح امتنان في شرع من قبلنا، فهو من ديننا كما يقول علماء الأصول رحمة الله عليهم، نعم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)وقصته مذكورة في سنن البيهقي في كتاب السير باب التبرع بالتعرض للقتل ( 9 / 44 ) وفي تفسير القرطبي ( 2 / 364 ) أسد الغابة ( 1 / 206 ) تاريخ الطبري .
(2)ما فعله هشام بن عامر الأنصاري لما حمل بنفسه بين الصفين على العدو الكثير فأنكر عليه بعض الناس وقالوا : ألقى بنفسه إلى التهلكة ، فرد عليهم عمر بن الخطاب وأبو أيوب الأنصاري وأبو هريرة رضي الله عنهما وتليا قوله تعالى ( ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله .. ) الآية ، مصنف ابن أبي شيبة ( 5 / 303 ، 322 ) سنن البيهقي ( 9 / 46(
(3) عَنْ صُهَيْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ، قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ، فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ، فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ، إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ، فَأَعْجَبَهُ فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ، فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ، فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ، فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ، حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَمَضَى النَّاسُ، فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي، قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى، فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ، وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ، إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللهِ فَشَفَاهُ اللهُ، فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ، فَجِيءَ بِالْغُلَامِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى، فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَقَالَ: اللهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَرَجَفَ بِهِمِ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ، فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ، فَقَالَ: اللهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمِ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ، فَقَالَ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ؟ قَدْ وَاللهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ، وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا، أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ: يَا أُمَّهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ "
أخرجه مسلم (73) ( 3005(.