يقول السائل : إذا كان الإنسان قد أعار كتبه عدة مرات، فمرة تضيع ومرة يعودونها بشق الأنفس، ومرة لا يعودونها أصلاً، أو في حالة مزرية فهل يعتبر امتناعه عن إعارة كتبه من كتمان العلم، ؟ وخاصة أن كثيراً من هذه الكتب لم تعد تباع الآن في الأسواق، أحسن الله إليكم.
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
الإعارة حينما يكون المستعير مستغنياً عن العين للإعارة، ويكون المستعير محتاج إلى العين المعارة، فهي مشروعة عند أهل العلم، وهل تجب على قولين؟، أحد القولين مذهب أحمد وهو اختيار بن القيم إنها واجبة وهذا هو الصحيح، لكن بشرط أن يكون المعار أهلاً، إما أن يكون غير أهل للإعارة فلا يعار، فإذا كان يضيع هذه العارية أو يتلفها فليس له حق، بل هذا تضييع، مثل إنسان وضع ماله عند إنسان وتسبب في إتلافه أو ضياعه لكان ضامناً، على هذا من كان يفرق في العارية وهي أمانة، فهذا لا حق له ولا يجوز له مثل هذا الشيء، لأن من شروطها مشروعة العرية أو وجوبه عن قول آخر أن يحفظها، أما إذا كان تلفها ليس بتفريط منه أو كان بسبب استعمالها فلا شأن له، مثل إنسان استعار كتاب ومع طول الاستعمال تفكك وتقطعت أوراقه لكون الاستعمال هو الذي تسبب، لا أنه كان مفرط أو يفتحه فتحاً قوياً أو نحو ذلك، مثل بعض الكتب التي مع الاستعمال تتفكك، فأنه لو أنت استعملتها مثلاً فأنه سوف يتفلت، أما إذا كان بسبب تفريطه فإنه لا يجوز، فكما تقدم القول الذي اختاره أهل العلم وجوب العارية بشرطها المتقدم وذلك في قوله تعالى (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) ([1]) وقد صح عند مسلم من حديث جابر رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ، وَلَا بَقَرٍ، وَلَا غَنَمٍ، لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا، إِلَّا أُقْعِدَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَطَؤُهُ ذَاتُ الظِّلْفِ بِظِلْفِهَا، وَتَنْطَحُهُ ذَاتُ الْقَرْنِ بِقَرْنِهَا، لَيْسَ فِيهَا يَوْمَئِذٍ جَمَّاءُ وَلَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ» ، فإذا كانت إعارة في هذه المنفعة التي هي منفعة دنيوية على هذا القدر تكون واجبة، فالإعارة بما كان منفعته دينية من الكتاب من باب ألزم، وذلك إنه يريد أن يستفيد علمه، وخاصة أن استحضرنا قوله عليه الصلاة والسلام، (من كتم علماً ألجم بلجام من النار) (3)، فقد يدخل في هذا الباب، لأنه حينما يمنع إعارة هذا الكتاب فهو من كتمان العلم، هذا أيضاً الدليل في المسألة في خصوص إعارة الكتب لكن هذا بشرط أن تكون مستغني عنها، مثل عندك كتاب له طبعتان، أنت مستغني عن هذه الطبعة أو أنت لا تحتاج لهذا الكتاب مثلاً في هذا الوقت، أو لهذا المجلد في هذا الوقت ونحو ذلك، وطلب منك أخوك وهو محتاج فإنك تعيره، وإذا كنت محتاج له في وقت معين، تقول أعيرك الكتاب مدة يوم يومين أسبوع أسبوعين، وهكذا، نعم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) سورة الماعون : الآية (7)
(2) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ، وَلَا بَقَرٍ، وَلَا غَنَمٍ، لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا، إِلَّا أُقْعِدَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَطَؤُهُ ذَاتُ الظِّلْفِ بِظِلْفِهَا، وَتَنْطَحُهُ ذَاتُ الْقَرْنِ بِقَرْنِهَا، لَيْسَ فِيهَا يَوْمَئِذٍ جَمَّاءُ وَلَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: " إِطْرَاقُ فَحْلِهَا، وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا، وَمَنِيحَتُهَا، وَحَلَبُهَا عَلَى الْمَاءِ، وَحَمْلٌ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَا مِنْ صَاحِبِ مَالٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ، إِلَّا تَحَوَّلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، يَتْبَعُ صَاحِبَهُ حَيْثُمَا ذَهَبَ، وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ، وَيُقَالُ: هَذَا مَالُكَ الَّذِي كُنْتَ تَبْخَلُ بِهِ، فَإِذَا رَأَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، أَدْخَلَ يَدَهُ فِي فِيهِ، فَجَعَلَ يَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ " أخرجه مسلم (988).
(3) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "مَا مِنْ رَجُلٍ يَحْفَظُ عِلْمًا فَيَكْتُمُهُ إِلَّا أُتِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلْجَمًا بِلِجَامٍ مِنْ النَّارِ"أخرجه أبو داود (3658) و الترمذي (2840) وهو في "مسند أحمد" (7571)، و"صحيح ابن حبان" (95).