يقول السائل : سمعت حديث ورد فيها إحباط العمل فهل إحباط العمل بمعنى ذهاب جميع حسناتك كلها؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
لا، لا يحبط العمل إلا الشرك هذا إحباط العمل الإحباط الكامل أما السيئات التي تحبط هذه تحبط ما قابلها أما الإحباط الكامل هذا لا يكون إلا بالشرك وذلك أن لو قيل أن الإحباط للعمل لكان هذا مذهب الخوارج، هذا مذهب الخوارج الذين يقولون: إن الكبيرة يكفر صاحبها وهذا باطل بالإجماع إنما تكون من باب المقابلة تحبط ما يقابلها مثل ما ورد في حديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) وهذا في صحيح البخاري من حديث بريدة،(1) وقال في الصحيحين عن ابن عمر ( من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله)(2) أي سلب أما حديث بريدة المتقدم فقد حبط عمله هذا إن كان المراد بالترك ترك الصلاة بالكلية، ترك صلاة العصر بالكلية فهذا حجة لمن قال بكفر تارك الصلاة وحجة لمن قال إنه يكفر بترك صلاة واحدة.
ومن قال إن المراد بالترك هنا معنى الترك للجماعة فيكون المعنى معناه المقصود أنه لا يحبط العمل إحباط تام إلا الشرك، قال سبحانه: { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [الزمر:65] وقال سبحانه: { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأنعام:88] وقال سبحانه: { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } [المائدة:72]، وقال سبحانه: { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } [الفرقان:23]. لا قيمة للعمل مع الشرك الحابط للعمل، إنما من عمل عملاً من الخيرات فإنه لا يظلم لا ظلم إنما كما قال عليه الصلاة والسلام إنه يعطى في الدنيا من الحسنات بقدر ما عمل كما قال عليه الصلاة والسلام "إن الكافر إذا عمل حسنة في الدنيا أطعمه الله في الدنيا حتى يقدم يوم القيامة وليس له شيء"(3)، لا يجازى يوم القيامة هذا ليس له شيء ولهذا يعطى في الدنيا إما من السعة في المال أو الولد أو ما أشبه ذلك أو الجاه وما أشبه ذلك مما عمله من أعمال الخير لأنه لا يرجو ثواب الله ولو رجا فإنه يكون مع الشرك ، وقد يكون مثلاً من الكفار الذين يعملون أعمال من الخير لكنهم على الشرك فلا قيمة لها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عَنْ أَبِي المَلِيحِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ، فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلاَةِ العَصْرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ». أخرجه البخاري (553) ،
(2) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ فَاتَتْهُ الْعَصْرُ، فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ" . أخرجه البخاري (552) ، ومسلم (626) (201) ،
(3)عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ الْكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً أُطْعِمَ بِهَا طُعْمَةً مِنَ الدُّنْيَا، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ، فَإِنَّ اللهَ يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ فِي الْآخِرَةِ وَيُعْقِبُهُ رِزْقًا فِي الدُّنْيَا عَلَى طَاعَتِهِ» .أخرجه مسلم (2807)(57).