يقول السائل : هل تقبل توبة شاتم الرسول عند الله تعالى؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
نعلم أن شتم النبي عليه الصلاة والسلام، وكذلك سب رب العالمين، هذا من الكفر الأكبر، والكفر المغلظ، حتى شدد فيه أهل العلم تشديدًا عظيمًا، وهو زندقة، وكفرٌ وإلحاد، فمن وقع في هذا الذنب، فالحمد لله باب التوبة مفتوح، التوبة تقبل من العبد مهما كان ذنبه، قال الله عز وجل: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾([1]). وقال: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ ([2]).
فالتوبة من العبد عمومًا وخصوصًا، ومن وقع في ذنب وجبت عليه التوبة، التوبة لجميع المسلمين، التوبة عنه بحسب عظم الذنب، فإذا كان الذنب من مثل هذه الذنوب العظيمة، فهو من الكفر المغلظ.
فهذه المسألة شقان، الشق الأول: يتعلق بقبول التوبة، أما التوبة فالله عز وجل من صدق التوبة والإنابة فإن التوبة مقطوع بها وبقبولها، بل قال العلماء إن التوبة من الكفر مما يقطع بقبولها من حيت الجملة، والمعاصي كذلك العبد يتوب ويسأل ربه سبحانه وتعالى المغفرة من ذنبه الذي وقع فيه. الشق الثاني: وهو هل تنفعه توبته في الدنيا أو لا تنفعه، ذهب جمع من أهل العلم إلى أن من سب رب العالمين سبحانه وتعالى، أو سب النبي عليه الصلاة والسلام، فإن هذا كفر مغلظ، وكفر عظيم، فلا تقبل توبته في الدنيا، بمعنى أنه يقام عليه ما يجب على أمثاله.
أما أمره في صدق نيته، فإنه الله أعلم بها، فإن كان صادقًا فإن الله سبحانه وتعالى يقبل عبده ولو جاءه بقراب الأرض خطايا، فإنه يأتيه سبحانه وتعالى بقرابها مغفرة. ومن أهل العلم من قال إنه تقبل التوبة كسائر الذنوب، وقد كان النصارى يشتمون رب العالمين، حيث نسبوا له الولد، سبحانه وتعالى، وقال: {أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}([3]). دعاهم إلى التوبة، مع أنهم ينسبون إليه مالا يليق به سبحانه وتعالى، قالوا إن الله ثالث ثلاثة، والله عز وجل قال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ }([4]). ودعاهم إلى التوبة.ومن أهل العلم من فرق بين سبه سبحانه وتعالى، وسب النبي عليه الصلاة والسلام، فقالوا إن الله عز وجل قد عفا عن حقه، وقد تاب على من وقع في مثل هذا، ودعاه إلى التوبة كما تقدم، وهو سبحانه وتعالى يعفو ويغفر، أما سب النبي عليه الصلاة والسلام، فإن حقه باقٍ، ولأن هذا يجد المعرة، حيث سبه عليه الصلاة والسلام، ولا تزول المعرة إلا بإقامة الحد على من سبه، وأمره إلى الله في صدق توبته، وهو إذا تاب توبًة صادقة، فإنه يعامل معامله أهل الإسلام، وإن أقيم عليه الحد مادام أنه ظهر منه التوبة، وظهر منه الإسلام.
وهذه المسألة مسألة عظيمة، فما سأله عنه السائل فيما يتعلق بالتوبة، فالتوبة مقبولة إن شاء الله تعالى، وإذا كانت المسألة فيما بينه وبين الله، في هذه الحالة يستر نفسه، أما إذا كانت مسألة ظاهرة واتضحت، أو كانت عبر بعض وسائل الإعلام، أو نحو ذلك، أو طالب أناس من المعترضين على قوله برفع أمره إلى المسئولين، فهذا أمره إلى القضاء، فهو الذي ينظر ويقرر.
أما إذا كانت ذلًة وقعت منه، ثم تاب وأناب، وستر نفسه، في هذه الحالة يتوب إلى الله، وعليه أن يكثر من الأعمال الصالحة، ويجتهد في نصرة الدين، ونصرة التوحيد.