إذا كانت الجنة عرضها السماوات والأرض فأين النار؟
الحمدلله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ,
هذا واقع في مسند أحمد حديث طويل أنه سأله بعض من أرسله لعله رسول هرقل أسئلة ومنها إنه قال : إذا كانت الجنة عرضها السماوات والأرض فأين النار ؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام : فأين الليل إذا دخل النهار ؟(1) المعنى أن الجنة موجودة على ساعتها والنار كذلك موجودة والنبي عليه الصلاة والسلام بين أن هناك عرض بين وجود الجنة في أعلى عليين والنار في أسفل سافلين، والنبي عليه الصلاة والسلام ما قال أنها تملأ الكون كله ، وأنها تستوعب الكون كله ، وما خلقه ، لا ، جنة عرضها السماوات والأرض ومعلوم أن السماوات والأرض خلق من خلق الله سبحانه وتعالى لا نسبة له إلى مخلوقات أعظم ، فالسماوات والأرض خلق يسير وهي بالنسبة لما خلقه أو بالإضافة إلى لما خلقه من مخلوقات أعظم وهو العرش والكرسي شيء يسير ، جاء في آثار اختلف العلماء فيها لكن دلت الآثار أدلة على أن السماوات والأرض ليست بشيء إلى مخلوقات أعظم كما تقدم كالعرش والكرسي وأنها كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، السماوات والأرض وعلى هذا لا منافاة أن تكون الجنة في أعلى عليين كما أن النار في أسفل سافلين والكون سعته وعظمته ليست بسعة السماوات والأرض كما تقدم والله سبحانه وتعالى حينما يخبرنا علينا أن نسلم ، يعني ما ذكر أهل العلم في هذا الجواب واضح وبين ولا إشكال فيه لكن أهل العلم يبينون في عموم النصوص والأدلة أن على المسلم أن يسلم لما جاء في الأدلة والنصوص مما يقصر عنه عقل ، لو فرض أن عقله قصر عنه والله عز وجل لم يكلف العبد أن يدرك كل ما يكون أو ما يسمع ، لا . بل لله عليه عبادة عظيمة وهي التسليم لأمر الله فيما لا يدركه عقله، وهذا أعظم وأبلغ في باب التسليم وذلك إنما يدركه الإنسان ويتعقله يخضع له عقله ويعيه عقله لكن الامتحان هو حينما يخضع ويسلم لما لم يدركه عقله هذا هو الامتحان، وهذا هو الإيمان الذي يسلم العبد ويعلم ضعفه وأن عقله يقصر كما أن هنالك أمور في أمور الدنيا ممن يصنعه ناس في الدنيا أمور يحار فيها عقله ومن صنعها وعملها أناس مخلوقون مثله ومع ذلك يقول أنا لا أستطيع أن أفهم يسلم لأنه لا يفهم ، فكيف بأمر الله سبحانه وتعالى الذي أوجده وخلقه سبحانه وتعالى وأنت لا تدركه، كما أننا هنالك نؤمن بالله سبحانه وتعالى وبصفاته وهناك صفات نؤمن بها لكن لا نعلم كيفيتها ونسلم لله سبحانه وتعالى، ولهذا ذكر العلماء قاعدة يقولون : ذكر تقي الدين - رحمه الله - في كتاب العقل والنقل الشرع يأتي بمحارات العقول لا بمحالاتها ، يأتي بمحارات يعني بما تحار فيه العقول وهناك أشياء تحار فيها العقول فالعقول تقصر عنها لأن العقل مثل الجسم والعقول تختلف كما أن الجسم فيه جسم يتحمل حمل كثير وكبير لقوة الجسم، وهنالك جسم لا يتحمل الشيء اليسير وكذلك العقل هناك عقل يتحمل شيء وعقل لا يتحمل ، وهنالك أحمال لا يتحملها أي جسم، كما أن هناك أمور لا يتحملها أي عقل ، ولهذا مدح الله سبحانه وتعالى الصحابة في قوله " وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير "(2) ولهذا يقول سلمنا نسلم فإن فهم العبد الحكمة فهو نور على نور، أما إن كان لا يسلم إلا لما يدركه عقله أما ما لا يدركه عقله فإنه يتوقف في هذا ليس عبداً لله ، هذا عبد لعقله ولهذا ضلت المعتزلة وأمثالهم ممن يدعون العقل، وفي الحقيقة لا عقول لهم لأنهم لو كان لهم عقول لاحترموا عقولهم ، وعلموا أن عقولهم قاصرة وما يدل عليه اضطرابه اضطراباً عظيم فيقول أحدهم وهم من أهل العقول الكبيرة يقول : هذا محال والقواطع العقلية تحيله ويقول أخر من أصحابه وقومه ومن على ملته ومذهبه يقولوا : وهذا مما دلت عليه الأدلة العقلية ، وهذا واقع في القرآن الكريم، بل الواحد منهم أحياناً ربما ينفي القول ويبطله ويحيله عقله ثم لا يلبث أن يقول أن العقل يدل عليه ويثبته ، تدل عليه البراهين لماذا ؟ لأن من لم يركن إلى ركن وثيق ومن لم يستند إلى ما دلت عليه الأدلة فإنه في أمر مريج مضطرب ، فهذه القاعدة الكلية، لهذا العلماء يذكرون يقولون في مثل هذه المسائل عنه جواب إجمالي وجواب تفصيلي في مثل هذه المسائل ، مثلاً في مثل هذه المسألة عنه جواب إجمالي وهو أننا نسلم ونعلم أن الله حق وأن ما جاء عنه حق وما جاء به رسوله حق وأن شرع الله لا يتناقض وأن كتاب الله لا يتناقض والأدلة لا تتناقض ويصدق بعضها بعضاً نؤمن بهذا في كل ما جاء عن الله سبحانه وتعالى وعن رسوله عليه الصلاة والسلام، فإذا جاء شيء في الظاهر لا في نفس الأمر هذا لا يجوز ولا يمكن أن يقال في الظاهر هنا أنه متناقض نقول : إننا نسلم ولم ندرك ولم يظهر لنا وجه الصواب ونعلم أنه حق لكننا لم نستطع الوصول إليه ، ثم يذكرون الجواب المفصل ويقولون أن الأمر كذا وكذا كما هو الأصل والدارج في الشريعة أنها حكم ظاهرة " إن ربك حكيم عليم " " وهو العلي الحكيم " وكان الله عليماً حكيماً - سبحانه وتعالى - فعلى هذا مقام العبد مقام التسليم والسمع والطاعة لما جاء عن الله - سبحانه وتعالى - وعن رسوله - عليه الصلاة والسلام - نعم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد في المسند (16693)، وابن حبان (103)، والحاكم (1/92) وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» وقال الذهبي: على شرطهما ولا أعلم له علة. وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة (2892).
(2) سورة البقرة الآية: 285 .