يقول السائل : ما حكم التبرك بآثار الصالحين، علمًا أن من فعل ذلك لا يعتقد حصول البركة من ذلك المخلوق، بل يتعقد حصولها من الله تبارك وتعالى، هل يعتبر شركًا أكبر، أو يعتبر وسيلة إليه وبدعة؟.
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
التبرك بآثار الصالحين أو نفس التبرك عبادة، والقاعدة في العبادات أنه لا يشرع منها إلا ما جاءت به النصوص، وخاصة في مثل هذا الأمر الذي يترتب عليه أمور أخرى، ولهذا أهل العلم سدوا هذا الباب وحكوا الإجماع على هذا، وهو أن التبرك بآثار الصالحين من البدع، وأنه وسيلة وقربة وطريقٌ مفضٍ إلى الشرك والغلو، الغلو ثم الشرك، بل ربما يصل إلى اعتقاد أن هذا المتبرك به له تصرف في الكون، كما يقع لكثير ممن غلى فيمن يعتقدون فيهم الصلاة، فهذا لا يجوز كما تقدم، وما وقع إنما وقع للنبي عليه الصلاة والسلام خصوصًا وهذا تواترت به الأخبار به في التبرك بما أنفصل منه عليه الصلاة والسلام، وكذلك ما لبسه من ثيابه أو أنفصل منه من عرقٍ ونحوه. ولهذا كان خاصًا به صلوات الله وسلامه عليه ولا يقاس عليه غيره، ولذا لم يفعل هذا الصحابة رضي الله عنهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مع الصحابة، لم يفعلوه بعضهم مع بعض، وكذلك لم يفعلوه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يفعلوه مع أبي بكر، ولا مع عمر، ومع عثمان، ولا مع علي، ولا مع بقية العشرة، ولا أصحاب بدر، ولا أهل الشجرة ولا غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم. فدل على أن هذا مخصوص به صلوات الله وسلامه عليه، وهذا لا يستغرب لأن له خصائص، وإلا لو قيل: بهذا لأنفتح الباب في بقية خصائصه، وتقدم أن أصل العبادة المنع، كما قال سبحانه وتعالى { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ }([1]) وقال عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ))(2) ((مَن أحدث في أَمْرُنَا هذا ما لَيْسَ منه فهو ردٌّ)) (3) ((من صنع شيئًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)) بمعنى مردود، فهذا من أبواب البدع، ويفضي إلى الغلو الشرك الأكبر، فلهذا حكوا الإجماع على هذا. والصحابة أحكموا هذا الأمر، وعمر رضي الله عنه لما رأى أناسًا يقصدون مكانًا يصلون فيه، قال: ما هذا؟ قالوا: مكان صلى فيه النبي عليه الصلاة والسلام، فنهاهم وقال ما معناه : تريدون أن تفعلوا ما فعل اليهود والنصارى في غلوهم، فأنكر هذا رضي الله عنه وقال: من أدركته الصلاة فليصل حيث أدركته، وإلا فليمض، رواه عن ابن أبي شيبة وغيره بإسناد صحيح، وجاء آثار في هذا الباب عنه وعن غيره .