يقول السائل : ما حكم طلب الشفاعة من الشخص الذي يذهب إلى الجهاد في سبيل الله إذا قيل له: إذا استشهدت في سبيل الله فاشفع لي.
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
المجاهد في سبيل الله إذا قتل في الجهاد، ورد أنه يشفع في سبعين من أهله كما الحديث الصحيح حديث ابن مقدام رضي الله عنه الحديث الصحيح عند أحمد والترمذي، أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((إن للشهيد عند الله سبع خصال يُغفرَ له في أوَّلِ دفعةٍ من دمِه ويرَى مقعدَه من الجنَّةِ ويُحلَّى حُلَّةَ الإيمانِ ويُجارَ من عذابِ القبرِ ويأمنُ من الفزعِ الأكبرِ ويوضعُ على رأسِه تاجُ الوقارِ الياقوتةُ منه خيرٌ من الدُّنيا وما فيها ويُزوَّجُ ثنتَيْن وسبعين زوجةً من الحورِ العينِ ويُشفَّعُ في سبعين إنسانًا من أقاربِه)). (1) الطلب لا يظهر مشروعتيه أولا: لأن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه سبحانه وتعالى، ولا تكون إلا{ولا يَشْفَعُونَ إلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى }([2]) مشروع كما قال سبحانه وتعالى { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ ورَضِيَ لَهُ قَوْلًا }([3]) وأيضًا فيه طلب الشفاعة من هذا الذي يذهب للجهاد في سبيل الله، وهو لا يدري ما حاله؟ ثم هذا فيه جزم وقطع بأنه يستشهد شهادة صحيحة وأنه في الظاهر والباطن شهيد، وهذا حكم على الغيب، ولا يجوز للإنسان أن يحكم بالغيب، وأن هذا يكون بهذه المرتبة، وأنه يشفع، فهذا حكم على الغيب ولا يجوز لمسلم أن يحكم على الغيب.ثم لو قيل بجواز مثل هذا، لقيل: يجوز لمن أراد الجهاد في سبيل فيقول: إن قتلت في سبيل فأنت يا فلان فأنت من قرابتي فيعد سبعين منهم ويقول: أنا أشفع لكم، وهو لا يدري هل يتوفر فيهم شرط الشافعة على الحال التي فارقهم إليه إلى غير ذلك؟ فالمقصود: أن هذا كما تقدم حكم على أمر غيبي وتجاوز للحدود المشروطة ولا يشرع مثل هذا، ثم أيضًا فيه الجزم بأنه شهيد، ويعلم أن الجزم بالشهادة لا يشرع، إنما على حسن الظن بأن يقال: شهيد. بمعنى أنه: ظاهره أنه قتل في سبيل الله فلا بأس من ذلك، لا بأس بأن يقول: فلان شهيد أو استشهد في سبيل الله على سبيل التعيين على الأظهر، بمعنى أنه حاله وظاهره أنه قتل في سبيل الله، كما يجوز تعيين الشهداء في المعركة، يقال: شهداء أحد، شهداء بدر ونحو ذلك، ومع أنهم معينون. وكذلك أيضًا لو كان التعيين لواحد فلا بأس على غير سبيل القطع، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام ((وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ)) (4) وقال البخاري رحمه الله:باب لا يقول فلان شهيد. (5) بمعنى: أنه لا يقوله على سبيل الجزم، أو يكون هذا قولًا له رحمه الله في منعه مطلقًا مع أنه جاءت الأخبار الكثيرة الدالة على إقرار من حكم لفلان بالشهادة، إنما أنكر عليه الصلاة والسلام وصفًا من الأوصاف حين قالوا، ذكروا بعض
الصحابة ممن استشهد قال:((والَّذي نفْسي بيدِه، إنَّ الشَّملةَ الَّتي أخَذها يومَ خَيبرَ من المغانمِ، لم تُصِبْها المَقاسِمُ، لَتَشتَعِلُ عليه نارًا)) (6) وهذا في الصحيحين، ولم ينكر عليهم عليه الصلاة والسلام ذكر الشهادة، إنما بين أمرًا غاب عنهم، وأنه لولا هذا يكون شهيدًا، وكذلك الحديث الآخر في الصحيح في خال أنس ابن مالك حينما قال: ((فزت ورب الكعبة)) (7) لما قتل في سبيل الله قال: ((فزت ورب الكعبة)) فحكم على نفسه بذلك والنبي يسمع ولم ينكر عليه الصلاة والسلام.
المقصود أنه: إذا كان على سبيل الظاهر فلا بأس، إنما ينهى عن هذا ما كان على سبيل القطع فيما يظهر، وهذا هو أحسن ما يجمع بين الأخبار في هذا الباب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الترمذي (1756) وابن ماجة (2799) وهو في "مسند أحمد" (17182).
([2]) سورة الأنبياء، آية 28.
([3]) سورة طه، آية 109.
(4) أخرجه البخاري رقم (2787).
(5) قَال الْبُخَارِيُّ ج4ص37: بَابُ لاَ يَقُولُ فُلاَنٌ شَهِيدٌ , وقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ».
(6) أخرجه البخاري (4234)، ومسلم (115).
(7) أخرجه البخاري (4092) ومسلم (677).