يقول السائل : يا شيخ، بم يجيب الحنابلة عمن يستدل بفعل عمر رضي الله تعالى عنه بإذنه لنساء النبي صلى الله عليه وسلم بالسفر مع عثمان للحج؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
ما أورده البخاري معلقاً مجزوماً به: أن عمر علق وبعث معهن عثمان وعبد الرحمن بن عوف،() وهذه مسألة اجتهادية، واختلف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، منهن من رأت جواز السفر لآنهن محرمات على المسلمين لأنهن أمهات المؤمنين فلهن خصوصية، فتأولت بعضهن ذلك فرأين الخروج في السفر، وقالت بعضهن كأم سلمة تقول: لا يحملني مركوب بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم(1)، وأخذت بما رواه ابن لأبي واقد الليثي عن أبيه أنه عليه الصلاة والسلام قال لهن في حجة الوداع: ((هذه ثم لزوم الحصر)) (2) هذه الحجة ثم لزوم الحصر، وما فعلته عائشة رضي الله عنها كان رغبة في الحج، وتأولن رضي الله عنهن مثل ما تأولت رضي الله عنها في الخروج في القتال يوم الجمل، حتى إنها رضي الله عنها لما خرجت يوم الجمل فبلغت الحوأب مكان ، فسمعت نباح كلاب فتذكرت رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام كأنه أخبر أنها سوف تخرج فقال: ((أيكن سمعت تنبحها كلاب الحوأب)) (3)، فقالت: ما أراني إلا راجعة، تذكرت ذلك وكانت قد نسيت حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها الصحابة رضي الله عنهم ممن معها: طلحة والزبير، يا أم المؤمنين إنك خرجت للإصلاح بين المسلمين ومتى ما رجعتِ فإن هذا يوهن من الإصلاح، فأقنعوها رضي الله عنها حتى حصل ما حصل وأصيب هودجها رضي الله عنها في القصة المعروفة. فهذا اجتهادها رضي الله عنها، وهي أفقه النساء على الإطلاق، عائشة رضي الله عنها كما قال الذهبي وغيره: أفقه النساء على الإطلاق، رضي الله عنها نقلت علماً كثيراً فلا يُعترض على فعلها واجتهادها لأنها تجتهد وتنظر، كما أن عمر رضي الله عنه له اجتهادات خالفه غيره في مسائل جاءت النصوص بها. وقول القائل: ماذا يُرد على هذا؟ نقول بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تخرج امرأة إلا مع ذي محرم)) (4) و كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري: ((لا تسافر امرأة مسيرة يومين)) (5) وفي الصحيحين من حديث ابن عمر: ((لا تسافر امرأة مسيرة ثلاث ليال)) (6) وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة:((لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة)(7) وفي الصحيح من حديث ابن عباس: ((لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم)) (8) ولم يترك قيداً، وكذلك أيضاً عند أبي داود من حديث أبي هريرة قال: ((لا تسافر امرأة مسيرة بريد)) (9)، وعند الطبراني بسند لين: ((لا تسافر امرأة مسيرة ثلاثة أميال)) (10) قال أبو بكر بن المنذر رحمه الله: كل منهم اشترط شروطاً، حتى الجمهور اشترطوا شروطاً في هذا، مالك وجماعة قالوا: إذا كانت امرأة متجالة جاز لها أن تخرج، وهذا تقييد للنص والنص أطلق، ما الذي فرق بين المتجالة وغيرها؟ والمتجالة: الكبيرة، ولهذا قال بعضهم: لكل ساقطة لاقطة والنساء لحمٌ على وضم، والمعنى أنها تضعف ويعرض لها ما يعرض، ولهذا لا يحق أن تسافر إلا مع محرمها، قال أبو بكر: كل منهم شرط شرطاً، وشرط النبي صلى الله عليه وسلم أحق وأوثق، حيث شرط المحرم وأن هذا هو الواجب، لكن الواحد من أهل العلم من الصحابة وغيرهم حينما ينتهجوا مسألة من المسائل فإنه يُحتج له ولا يُحتج به، يرجى أن يكون له أجر، أن يكون له أجران إذا أصاب وأجر إذا أخطأ كما صح في خبر عن النبي عليه الصلاة والسلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أخرجه البخاري معلقا عند رقم (1860).
(2)أخرجه أبو داود (1722) ، واحمد (21905) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (903) ، وأبو يعلى (1444) ، والطبراني في "الكبير" (3318),
(3) أخرجه نعيم بن حماد في كتابه"الفتن" (188) ، والضياء في المختارة (179).
(4) أخرجه مسلم (3123). بلفظ: (( لا تسافر امرأةٌ إلا مع ذي محرم))
(5) )أخرجه البخاري رقم (1864).
(6) أخرجه مسلم (1338).
(7)أخرجه البخاري رقم (1088). و مسلم رقم (1339).
(8) أخرجه مسلم (3123).
(9) أخرجه أبو داود (1722) (2/405)، وابن حبان (2727).
(10) أخرجه الطبراني في الكبير(12652) .