يقول السائل: هل ثبتت قصة عبد الله بن حذافة رضي الله عنه مع كبير الروم؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
قصة عبد الله بن حذافة رضي الله عنه قصة مشهورة، ويذكرها الوعاظ وكثير من يتكلم عن مناقب الصحابة رضي الله عنهم وخاصة قصة عبد الله بن حذافة السهمي وفي الحقيقة قصة عجيبة وعظيمة وهي معروفة، وفيها إنه حينما أراده كبير الروم على الكفر وأغراه وهدده وطرح أمامه بعض الأسرى في ماء حار حتى تفسخت عظامهم واللحم، يعني صارت عظامه تلوح، ثم بأن يلقى فبكى فظن أنه خاف فقال ردوه، هذه القصة رواها البيهقي رحمه الله ورواها أيضاً ابن عساكر(1)، كذلك رواها أبو العربي التميمي رحمه الله في كتابه المحن، أسانيدها ضعيفة لكن لا يظهر أنها فيها نكرة، فلا نكرة فيها، إنما الشيء الذي ما كان فيه نكرة ما كان فيه غرابة. هذه قصة عن صبره على هذا الملك المتجبر الظالم؛ ولذا ساقها ابن حجر في الإصابة، ولا يستنكر بل قوة كلامه دل على أن القصة يعني لها أصل، ولهذا ذكر القصة وذكر ما يشهد لها. وكذلك الذهبي رحمه الله ذكرها وأشار في كلامه إلى تقويته، وكذلك ذكرها ابن كثير وكذلك الحفاظ رحمة الله عليهم، وكذلك ذكروها على سبيل أنها من مناقب عبد الله السهمي، فلا بأس من ذكرها، لكن دون التوسع، يعني بعض الناس يتوسع في ذكر أشياء ليست في القصة، من باب التشويق ومن باب أن يشوق السامعين. لكن يذكرها على من جاء القصة في هذه المصادر أو غيرها، ولا بأس أن يذكر معها من الكلام ما يدل على فضل عبد الله بن حزافة السهمي رضي الله عنه، وإن كانت الإسناد فيما تقدم ضعيف، والحمد لله لا يشترط في مثل هذا وإن كان ليس حديثاً وليس حكم، ولله الحمد حتى يشترط فيه ما يشترط في الحديث الصحيح أو أن يذكر الشواهد كي تقويه، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج"(2)، فالنبي
قال: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج و نعلم أن عند بني إسرائيل من الغرائب ما هو أشد من هذه الغرائب، ونحدث عنه بالشيء الذي لا نكرة فيه ولا يخالف شرعنا، فكوننا أننا نحدث عن أمتنا وعن تاريخنا وعن علمائنا وعن القادة المجاهدين الكبار الأئمة رحمة الله عليهم، الذين لهم قصص في الزهد والجهاد والشجاعة والصبر، وما أشبه ذلك قصص لطلب العلم، وإن كنا لا نجزم بصحتها ولكنا لا نحزم بكذبها، الشأن أننا لا نجزم بكذبها هذا أول، الأمر الثاني ألا يكون فيها نكارة مما يوحي أنها منحولة ومنسوجة ولا أصل لها، مع ألا تخالف أصلاً أو دليلاً، فبهذه الحال لا بأس من رواية هذه القصة كما تقدم من جهة أن الحديث عن هذه الأمة من باب أولى إذا كان الحديث عن بني إسرائيل، والعجائب في هذه الأمة والقصص التي فيها من الآداب ومن الحكم الشيء العظيم ولله الحمد، ولهذا ذكر العلماء الكثير من القصص وأما أن يكون فيها نكارة فالغالب أنه يبين، نعم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)هذه القصة طرق كثيرة شديدة الضعف وهذا البيان:
1 - أخرجها أبو إسحاق الفزاري في السير وقال الشيخ مشهور عن إسنادها ( ص77) : وهذا منقطع فإن الأوزاعي لم يدرك عبد الله بن حذافة ولم يشهد هذه الحادثة فأرسلها دون إسناد .ا.هـ.
2 - وأخرجها أبو العرب التميمي في كتاب المحن وقال عنها الشيخ مشهور ( ص 80) : وهذا إسناد ضعيف جدا عبد الله بن محمد مجهول وعبيد الله بن عائشة مثله وهما غير معروفين بالرواية .... وعبد العزيز بن مسلم شيخ فيه جهالة وقواه بعضهم كذا في الميزان .ا.هـ.
3 - وأخرجها ابن عساكر في تاريخ دمشق ومن طريقه ابن الأثير في أسد الغابة وابن الجوزي في الثبات عد الممات وقال الشيخ مشهور (ص 82) عنها : وهذا إسناد ضعيف جدا مسلسل بالمجاهيل والضعفاء فيه عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي قال الذهبي في الميزان : أحد الضعفاء أتى عن مالك بمصائب .ا.هـ.
وعمر بن المغيرة قال البخاري عنه : منكر الحديث مجهول . وعطاء بن عجلان متروك بل أطلق عليه ابن معين والفلاس وغيرهما الكذب ... فهذا الإسناد واهٍ بمرة لا يفرح به البتة .ا.هـ.
4 - وأخرجها ابن عساكر في تاريخ دمشق أيضا وقال عن هذه الطريق الشيخ مشهور (ص 84 ) : وهذا إسناد ضعيف جدا وفيه علل : الأولى : الانقطاع بين الزهري وعبد الله بن حذافة . الثانية : يزيد بن سمرة قال ابن حبان : ربما أخطأ . الثالثة : هشام بن عمار فيه ضعف . أفاده شيخنا الألباني في الأرواء (8/157 ح 2515) .ا.هـ.
5 - وذكر ابن حجر في الإصابة أن القصة في فوائد هشام بن عمار من مرسل الزهري .
6 - وذكرها الذهبي في السير (2/15) قال عنها الشيخ مشهور( ص85) :وللقصة طريق أخرى مقطوعة .ا.هـ.
7 - ورواها ابن عائذ وقال عنها الشيخ مشهور ( ص 86) : وإسناده مقطوع .ا.هـ.
8 - أخرجها ابن عساكر أيضا وقال عنها الشيخ مشهور ( ص88) : وهذا إسناد ضعيف جدا فيه ضرار بن عمرو وهو ضعيف جدا قال عنه ابن معين : لا شيء . وقال الدولابي : فيه نظر .ا.هـ.
ثم قال بعد ذكره لهذه الطرق وبيان عللها ( ص 86) فهذه الأسانيد جميعها ضعيفة لا تنهض بالقصة ولا تقوى على عدّها حقيقة تاريخية لا شك فيها فهي شديدة الضعف لما سمع بعض العلماء راويا يحدث بها استغربها .ا.هـ
وذكر الشيخ مشهور في الرواية الثامنة بعد سرد القصة من استغربها فقال : ثم قال : قال أحمد بن سلمة : سألني عن هذا الحديث محمد بن مسلم ومحمد بن إدريس وقال لي : ما سمعنا بهذا الحديث قط .ا.هـ.
(2) أخرجه البخاري (3461) ،