يقول السائل : حلفت على شخص من أقاربي على أن لا يذهب إلى مكان ما وبعد فترة ذهب هذا الشخص إلى المكان ما الحكم مع العلم أنني كنت في غضب شديد عندما حلفت؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
المسألة لها صورتان إن كنت في حال غضب شديد لم تستحضر حال الحلف في هذه الحالة لا شيء عليك كما قال الله { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } [البقرة:225] وهذا ليس من كسب القلب ولهذا الغضبان لا يدري وقد يقع في موبقات وقد يقع في مصائب حينما يشتد غضبه أما إذا كنت تعقل حلفك فهذا ينظر فإذا منعت إنسان من شيء، حلفت عليه ومنعته من شيء وصنعه فجمهور العلماء يقولون الكفارة عليك كما لو حلفت على إنسان ألا يسافر أو حلفت على إنسان ألا يتكلف لك في الغداء أو أن يذبح ذبيحةً جئت إليه فحلف أن تأكل عنده، أنت حلفت أنه ما يصنع طعام وهو حلف في هذه الحالة الكفارة عليك عند جمهور العلماء. ومن أهل العلم من قال الكفارة على نفس المحنث لقوله ( فإنما الإثم على المحنث) عند أحمد عن عائشة لكن الأظهر والله أعلم أن الكفارة على الإنسان لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
"( الإثم على المحنث)(1) ليبين أن الكفارة على الحانث، إنما الإثم على المحنث حينما لا يكون له عذر أما إذا كان له عذر فلا، ولهذا إذا حلف أخوك عليك أن تبره ولا ينبغي للإنسان أن يبالغ في الحلف خاصة من باب الكرامة والمبالغة في الدعوى والحلف هذا نوع من السؤال المنهي عنه عند العلماء وإذا كان على وجه الإيذاء فإنه لا يجوز بل يكون محرمًا لأنه يكون على وجه الإيذاء ومن أهل العلم من قال إن يمين الكفارة لا كفارة فيها، يسميها البعض يمين الكفارة.ولعله والله أعلم أنه وقع في كلام شيخ الإسلام رحمه الله وهو أن تحلف على إنسان أن يطعم عندك فيعتذر ولا يجيب دعوتك في هذه الحالة الجمهور يقول: عليك الكفارة لقوله عليه الصلاة والسلام (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ , فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا ، فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ , وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ")(2) معنى أنه لم يمكنه البر، فكذلك أيضًا حينما يقع مثل هذا الشيء حينما يحلف على أخيه ولا يجيب دعوته، إذا كان لا يجيب دعوته وهو يريد إكرامه فذهب بعض أهل العلم إلى أن يمين الكراهة لا كفارة فيها.واستدلوا بقول النبي عليه الصلاة والسلام ( لا تقسم) لأبي بكر لأنه لما رأى رؤيا رجل رأى رؤية وفيه أنه قال: دعني أعبرها كما في الصحيحين فقال: نعم، فعبرها فقال: أقسمت عليك يا رسول الله قال: أصبت بعضًا وأخطأت، قال: أقسمت عليك يا رسول الله إلا أخبرتني، قال: لا تقسم،(3) فالنبي عليه الصلاة والسلام نهاه عن الإقسام ولم يخبره لأنه خشي عليه الصلاة والسلام أن يترتب عليه كما يترتب ولم يأمره بالكفارة. وكذلك ثبت في الصحيحين(4) في حديث عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أنه عليه الصلاة والسلام جائه أضياف كثيرون في المسجد فأمر الصحابة أن يأخذ كل منهم جماعة فذهب كل من الصحابة بواحد والذي ذهب باثنين وذهب أبو بكر بجماعة وذهب النبي صلى الله عليه وسلم ببقيتهم بالأكثر إلى بيته وأبو بكر أخذ جماعة معه ثم قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: اصنعوا لهم الطعام، أمرهم أن يفرغوا منه وألا يتأخروا عليهم وذهب أبو بكر إلى النبي عليه الصلاة والسلام يجلس معه ويسمر معه وأمر عبد الرحمن ابنه أن يقوم باللازم وأن يعد لهم الطعام فلما أعد لهم الطعام ووضع بين أيديهم كانوا هؤلاء قوم على طريقة بعض العرب لا يأكلون حتى يكون صاحب البيت موجود فدعاهم إلى الأكل فأبوا، قالوا: أين صاحب البيت مع أن عبد الرحمن بن أبي بكر رجل كبير، أين صاحب البيت، قال: كلوا سيأتي فأبوا، فلما جاء أبو بكر رضي الله عنه وقد مضى وقت من الليل وظن أنهم قد أطعموا فلما جاء أخبر أنهم لم يأكلوا.
عبد الرحمن بن أبي بكر لما أحس بأبيه علم أنه سوف يغضب عليه مع أنه معذور رضي الله عنه لكن اشتد على أبي بكر الأمر فدخل فنادى يا عبد الرحمن يا عبد الرحمن لم يجبه، صعد إلى السطح خائف يعني لا يريد أن يقابله حتى لا يشتد غضب أبي بكر وقال يا غنثر يعني يا أحمق فقال: نعم فنزل عبد الرحمن فقال: أضيافك أبوا أن يأكلوا فذهب إليهم فقال: كلوا كلوا قالوا: والله لا نأكل قال: والله لا أكل ثم قال إنما هي من الشيطان ثم أكل رضي الله عنه قالت أم رومان أم عائشة رضي الله عنها قالت: فوالله ما أكلوا لقمة إلا ربا تحتها مثلها في بيت أبي بكر رضي الله عنه" الشاهد أنه حلف رضي الله عنه ولم ينقل أنه كفر رضي الله عنه فهذا قول من قال أنه لا كفارة والجمهور على أنه يكفر وهذا هو الأحوط كما تقدم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أخرجه أبو داود في "المراسيل" (388) ، والدارقطني في "السنن" 4 / 142 - 143، والبيهقي في "السنن" 10 / 41 وأورده الهيثمي في "المجمع" 4 / 183، وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.
(2) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ»، أخرجه مسلم(13) (1650) ،
(3)أخرجه البخاري (7046) و مسلم(17) (2269).
(4)أخرجه البخاري (602) و مسلم(176) (2057).