ما حكم الربح من الانترنت والتسويق الشبكي؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
التسويق الشبكي أو ما يسمى التسويق الهرمي، هذه مسميات وليست العبرة بالمسميات، العبرة بالحقائق، فالعبرة في العقود بالمقصود والمعاني لا بالظواهر والمبادئ، العبرة بالمعنى، فيسمي تسويقاً شبكياً تسويقاً هرمياً وما أشبه ذلك، وبعضهم يفرق بين التسويق الشبكي والتسويق الهرمي، ويقول التسويق الشبكي ما فيه سلعة تداول والهرمي ما ليس فيه سلعة، والأظهر والله أعلم أنه إذا كان بيعاً صورياً فلا فرق بينهما.
وهذا هو الأصح أنه لا فرق بينهما، حتى ولو كان في أحدهما سلعة، إذا كانت السلعة مجرد صورة فإن عدم وجودها ربما يكون أهون من وجودها، لأن الذي لا يجعل سلعةً يكون صريحاً في هذا البيع واضح فيفطن المشتري ولا عذر له في ذلك، بخلاف الذي يضع سلعة فإنه يلبس ويدلس مثل بيع العين الذي تكون فيه السلعة، كما قال ابن عباس دراهم بدراهم وبينهما حريرة، المقصود هو بيع الدراهم بالدراهم، فعلى هذا إذا كان هنالك سلعة وكانت السلعة مجرد صورة لأجل الربح في المال عن طريق ما يؤخذ من هذا المال الذي هو يعني عمولة لمن يأتي بزبائن وهكذا على صفة التسويق الشبكي فلا قيمة لهذه السلعة. ولهذا قال أيوب السختياني-رحمه الله- يخادعون الله كما يخادعون الصبيان(1)، لو أتوا الأمر على وجهه كان أهون عليه، يخادعون الله كما يخادعون الصبيان،رواه عن البخاري معلقاً مجزوماً(2)، يقول يعني لو أنهم تبايعوا الربا صراحةً كان أهون من كونهم يخادعون في البيع فيظهرون سلعةً لا قيمة لها، فمثلاً يستلف ثمانين بمائة ألف ويجعلون بينهما سيارة أو أرض أو نحو ذلك، ثم تعود إلى صاحبها الذي أقرض، وآل الأمر إلى قرض ثمانين ألف بمائة ألف، لو أنه أقرضه، لو أنه أخذ منه ثمانين ألف بمائة ألف مؤجلة ربا فضل نسيئة، أهون وأيسر من كونه يحتال بشيء أو سلعة بينهما لا قيمة لها.فعلى هذا إذا كانت هذه البيوع، هذه السلعة سواء كانت موجودة أو غير موجودة لا حقيقة لها فهذا لا شك بيعٌ من بيوع المخاطرة والقمار على صفته، وهذا حينما تكون سلعة أو سلع أو منتج تبيعها لشركة وتقول للمشتري الأول لك عمولة في كل سلعةٍ تشتريها، وإذا جاء من قبلك زبائن فإننا نعطيك عن كل مشترٍ نسبة لهذه السلعة ، وهكذا الذين تحته يعني كذلك هو يأخذ عليهم وهو يأخذ، فيؤول الأمر إلى أن يكون المقصود هو كسب هذا المال، وأن هذه السلعة لا حقيقة لها ولا قيمة لها، فإذا كان هذا هو المقصود كان البيع قماراً ومخاطرةً وكان أشد من الربا؛ لأن الربا صورته ربما تكون واضحة، هو يعرف أنه يأخذ مال والذي دفع الربا يعلم أنه سوف يدفع الربا، الأمر واضح عنده هو ربا. فالذي يدور أمره على المخاطرة ويشتري هذا المنتج، وهذا المنتج لا حقيقة له ولا قيمة له في الحقيقة، إنما المقصود أن يكسب بهذا المال الذي دفعه مقابل العمولات التي تصل إليه من المشترين الذين من طريقه، فيكسب مال فيكون في الحقيقة دفع مالاً وهو في حال خطر لا يدري هل تستمر هذه الشركة؟ هل يستمر هذا المنتج؟ هل يكون الذين تحته الذين يشترون من طريقه يمكن أن يكثر عددهم فيكسب أو لا يكسب؟ دار الأمر بين الغنم والغرم فكان من الميسر وكان أشد تحريماً من الربا؛ لأن الميسر زيادةً على أنه مخاطرة أن فيه إغاراً للصدور، وفيه مفاسد تحصل حينما لا يحصل مقصوده، أما الذي دخل في الربا فهو يعلم ودخل باختياره ويعلم أنه سوف يدفع الربا، والذي يأخذ الربا يعلم أنه سوف يأخذ هذا الربا، فهو من هذه الجهة أخف مفسدة. فإذا كان الربا محرم بالإجماع وهو أخف مفسدةً فالميسر أشد تحريماً لما فيه من المفاسد، وإغار الصدور وما فيه من اللهث والهم والغم الذي يصحبه دائماً، لا يدري هل يحصل له أو لا يحصل له، فإذا كانت هذه السلع أو هذه الشركات التي يتعامل على هذه الصفة وعلى هذا الوجه كانت محرمةً، ولكن ربما لبس بعضهم ودلس وأظهر أن السلعة مقصودةً فإذا كان الأمر كذلك فالأعمال بالنيات، والله يحاسبهم على ذلك، ولا يجوز لهم أن يوقعوا غيرهم في مثل هذا، خاصة أن الذي يكون أقرب إلى أصحاب السلع ويكون من المشترين أو في الطبقة الأولى على التسلسل الهرمي أو الشبكي يكون أوفر حظاً، والذين بعده أقل حظ، والذين بعده أقل حظ حتى يصل إلى آخر طبقة في الهرم الذين هم يخسرون جزماً لأن هذا التسويق سوف ينتهي ولن يستمر، التسويق سوف ينتهي ويؤول إلى الخسارة التي تصيب أحدهم وبعضهم يكسب أموالاً طائلة فيكون أخذ أموال غيره على هذا الوجه المحرم، وأكل للأموال بهذه الطرق المحرمة،
فأقول إن هذه الشركات أو هذه المسميات لا عبرة بها، العبرة بالواقع فإذا كان تسويقاً صحيحاً، تسويقاً شبكياً صحيحاً تباع السلع، ويكون هذا يبيع ويشتري البيع صحيح، وهذه السلعة تداول ويأخذه هذا أو يبيعها أو ينتفع بها، هذا مثل سائر المبيعات عن طريق السماسرة لا بأس بذلك، أما إذا كانت على الوصف المتقدم هي محرمة تحريماً أشد من تحريم الربا للمفاسد المذكورة جاءت في الكتاب والسنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)إغاثة اللهفان": 1/354. وانظر شرح سنن النسائي المجتبى (35/135)، عون المعبود شرح سنن أبي داود(9/243).
(2)وانظر صحيح البخاري(6/2554).