يقول السائل أنه عنده مشاريع ويبني شقق ويبني فلل وربما يشتري منه بعض الناس ممن يتعامل مع البنوك وقد يكون المشتري مثلاً اقترض من الربا فهل يجوز أن يبيع عليه إذا كان يشتري عن طريق البنك إذا كان يشتري عن طريق مال الربا يعني يأخذ مال الربا؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
هذه المسألة والله أعلم هي من المشتبهات لكن الذي يتبين أن يقال هذه في بعض صورها تحمل على معاملة من في ماله شيء من مال حرام فإن كان الذي يريد أن يبيع لمن يشتري ويعلم أنه مثلاً اقترض قرضًا ربوياً، أو أنه لا يمكن أن يحصل على القرض حتى تمكنه أنت فتكون شريك معه ثم يتقدم إلى البنك يطلب القرض فيطلبون منه بضمان البيت أو الدار الذي يشتريه فيتفق مع البنك ويكون أيضًا باتفاق معك أنت تكون شريك له في المعاملة فهذا لا يجوز لأنك تكون طرفًا في المعاملة الربوية والقاعدة الشرعية أنه لا يجوز الإعانة على الحرام { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة:2].
والنبي عليه الصلاة والسلام" لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه"(1) ولعن في الخمر عشرة (2) فالقاعدة أنه إذا حرم شيء حرم وسائله إلا إذا كانت هذه المعاملة عن طريق البنوك مثلاً من المعاملات التي وقع فيها خلاف بين أهل العلم في هذا الزمان وهي موضع اشتباه وكانت محتملة ليست يعني ربًا صريح ، وهناك فتوى لبعض أهل العلم مثل ما يقع من التمويل من البنوك لبعض الناس فيأخذ تمويل يريد شراء بيت ويتفق معهم، وأيضًا يعرف البيت ويكون طرفًا في هذا وتكون هذه المعاملة على هذا الوجه فهذا الذي يظهر لا بأس به، غاية الأمر أن يكون موضع شبهة والشبهة مع الحاجة يختلف شأنها. أما إذا تعامل معك معاملة ليس لك علاقة بالبنك مثل ما تتعامل مع إنسان أنت تتعامل مع إنسان ماله حرام ربما يكون قريبك أو صديقك أو جارك يتعامل بمال حرام بالربا مثلاً فأنت ربما تزوره وتأكل طعامه فلا بأس من ذلك، وربما تطلب منه قرض ويقرضك فلا بأس أن تأخذ القرض فالإثم عليه لأنه متعلق به وأنت ليس لك إعانة ولا شيء، ومثل ما تعمل عند إنسان، إنسان يدعوك إلى أن تعمل في بيته وقد يكون بيته هذا بناه بالربا أنت لم تعن عليه لكنك تتفق معه في شيء من هذه الأعمال ولم يتعلق بذمتك شيء من المعاملات الربوية في هذه الحالة لا بأس إن عملت له وأخذت أجرك، أيضًا إذا كان هذا الذي اشترى الدار أخذ مالاً عنده مال حرام واشترى به فأنت لا إثم عليك في تعاملك معه، ولذا لو منعنا التعامل مع الناس إذا كان مالهم حرام لتعطلت معاملات الناس، لو منعنا التعامل بين الناس إذا كان أحدهم ماله حرام لتعطلت المعاملات بين الناس.فالإنسان ربما يعامل الناس فيكون عنده مال حرام وأنت لو أنك صرت تطلب من إنسان شيء من المال قد يعطيك من المال الحرام لكن المال الحرام المقصود ليس المال المنهوب والمغصوب والمسروق المال الحرام يعني من كسبه، أما المغصوب فهذا لا يجوز أن تأخذه، لكن لو كان من جهة الكسب يعني يكسب عن طريق الغناء، المرأة عن طريق الغناء أو التمثيل مثلاً أو هو ماله حرام من بيع خنزير وخمر ونحوه أو يتعامل معاملات محرمة، فأنت تطلب منه شيء من المال وأعطاك والمال الذي أعطاك قد يكون هو حرام عليه بمجرد انتقاله إليك يتبدل هذا المال الحرام ويكون طيبًا والمال يتبدل بتبدل الأسباب ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام دخل بيته ورأى البرمة فيها لحم نظيف فقال: ما هذا قال: لحم تصدق به على بريرة، وبريرة في بيت النبي عليه الصلاة والسلام، بريرة مولاة عائشة رضي الله عنها والنبي لا يأكل الصدقة ، ماذا قال: (هو لها صدقة ولنا هدية) (3) وفي اللفظ الآخر: (بعثت به نسيبة من اللحم الذي تصدقت به عليها قال:" إِنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا " (4) وكلاهما في الصحيحين، تصدق على نسيبة أم عطية ولحكمتها رضي الله عنها أهدت له منها عليه الصلاة والسلام فحصلت منه الصدقة وحصلت منها الهدية رضي الله عنها فقال: بلغت محلها مع أنها في أصلها صدقة من النبي فلما تبدل السبب تبدل الذات، فالذوات تتبدل بتبدل الأسباب كذلك أنت حينما تأخذ المال من شخص بسبب معاملة فإنه يتبدل هذا المال من زكاته ينقلب من مال يكون حراماً فيكون حلالاً، وكذلك لو إنسان حصل حادث تصادم مثلاً وقال الطرف الصادم أعطيك من التأمين اعتدى عليك لكنه يأخذ من التأمين والتأمين لا يجوز إلا في أحوال الضرورة يعني ليس التأمين الشامل يكون ضد الغير كما يقولون لكن إذا أنت لا بأس أن تأخذ ولو كان هذا المال من جهة التأمين لأنه حقك وواجب عليه أن يقضي هذا المال، كونه آثم به هذا أمر ليس عليك منه شيء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أخرجه مسلم (1597) (105).
(2) أخرجه أبو داود ( 3666) . وابن ماجه (3380). وأحمد (4787)، (5290)،
(3) أخرجه البخاري (5097) ومسلم (1075) (171).
(4) أخرجه البخاري (1446) ومسلم (1076) (174).