• تاريخ النشر : 01/06/2016
  • 508
مصدر الفتوى :
اللقاء المفتوح
السؤال :

ما حكم استئجار العربات داخل الحرم أليس يعتبر هذا بيعًا؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
نعم الاستئجار من أنواع البيوع فهو إجارة, والنبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو وحديث أبي هريرة « من رأيتموه يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ»(1), وكذلك نهى عن البيع والشراء في المسجد(2), وهو حديث صحيح والصواب: أنه لا يجوز، لكن هل يصح؟ أو لا يصح؟ جمهور أهل العلم أنه يصح ومنهم من حكى الإجماع في ذلك والله أعلم بصحة هذا الإجماع, لأن النهي متوجه إلى البيع في المسجد, والقاعدة أن الشيء إذا توجه إلى ذات الشيء فإنه يكون راجعًا إلى أمرٍ لا ينفك عنه فيكون مبطلًا له, والمسألة تحتاج إلى نظر, والكلام في جوازه من عدم جوازه, هذا هو الأصل أنه لا يجوز الاستئجار كالبيع في المسجد.لكن يجوز الوفاء بمعنى أنك توفيه حقه ، توفيه المال الذي استأجرت به هذه العربة لا بأس, أو إنسان يطلبك مال في بيعة بينكما أو نحو ذلك في الدين فأوفيت له في المسجد فلا بأس، والنبي صلى الله عليه وسلم لما رأى ابن أبي حدرد وصاحباً له لعله كعب بن مالك أو أبي بن كعب أشار عليه صلى الله عليه وسلم أن يخفض هذا وأن يعجل هذا(3), فهذا لا بأس به الوفاء، إنما نفس عقد البيع هل يجوز؟ الأصل لا يجوز, عند الضرورة يمكن يقال له أحكام, فهي مراتب، منها أن يكون إنسان محتاج أن يركب لكن ليس هناك ضرورة يمكن أن يمشي, فإذا أراد أن يستأجر فعليك أن تخرج أنت وإياه خارج المسجد, ثم تعقدان البيع بينكما ثم لا بأس أن تُوفي له داخل المسجد هذا لا بأس به.لكن إن لم يمكن ذلك وكانت حال ضرورة مثل إنسان عاجز لا يمكن أن يخرج خارج المسجد, أو خروجه فيه ضرر لشدة ازدحام وهو لا يستطيع أن يمشي، فنقول: إن البيع لا شك أنه أمر محرم, والمقصود هو صيانة المسجد عن البيع والشراء, وأن المساجد لم تُبن لهذا، ومثل هذه العلة تزول عند وجود الضرر, والنبي صلى الله عليه وسلم في الذي بال في المسجد تركه مع أن البول في المسجد أقبح من عقد البيع, ولا يتردد أحد في قُبح هذا الفعل وأنه أمر منكر ولا يجوز. ومع ذلك تركه النبي صلى الله عليه وسلم لماذا؟ دفعًا للضرر الذي يحصلُ بإنكاره عليه, فتركه صلى الله عليه وسلم (4) حتى فرغ وقال لأصحابه: "لا تزرموه وأهريقوا على بوله سجلاً من ماء " ففي هذه الحالة التي هي نوع تفريط وجفاء وجهل بما يجب للمسجد, فالذي يكون في المسجد ولا يمكنه المشي ولا بد أن يركب لأن الطواف والسعي عليه واجب, أو الطواف عليه ركن, على الخلاف. لكن الشأن لا بد أن يطوف لا بد أن يسعى وهو لا يستطيع لكبر سنه, أقصد أن ما يحصل من انتهاك المسجد بالبول فيه لا يبلغُ مثل هذه الحالة, وهذا حالته حالة ضرورة فهو أولى بالرخصة من الذي حصل منه التفريط في المسجد. والنبي صلى الله عليه وسلم أقر النساء بأن يأتين بصبيانهن إلى المسجد (5), وربما يحصل فيه أحيانًا أذية لبعض من يحضرون المسجد, ويسمع النبي الصوت وهي تريد أن تصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم مع أن صلاتها في بيتها أفضل وأولى؛ لكن هي محبة للصلاة في المسجد, ولا يمكن أن تترك ابنها وإلا فلو صلت في بيتها لكان أولى لها وكانت عند أولادها, ومع ذلك هي إذا رغبت في ذلك لا تُمنع كما قال صلى الله عليه وسلم «لا تَمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله»(6) وكذلك يُراعى حالها، وفي لفظ « من وجد أمه به »(7) وقد يحصل أذية لها وربما لمن حولها, ومع ذلك راعى هذا في الصلاة وهي آداب مشروعة بل ربما تصبح واجبة فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن (8), وهو قراءة القرآن، فكيف الجهر بأصوات الصبيان ولغط الصبيان فهو أشد في النهي, فإذا روعي حال المرأة لأجل أنها تصلي مع الناس رغبةً في الخير, وصلاتها في بيتها أولى, فمراعاة من كان أمرًا واجبًا عليه, ومتعين عليه. فلا يُلزم بذلك, ولما فيه من الضرر والضرر يزال(9) فلو نظرنا إلى مسألة الضرر الحاصل بهذا وما يحصل بعقد البيع في المسجد فهي نسبة يسيره, فلهذا لا بأس به على هذه الصفة.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حديث: " إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع فى المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك " أخرجه الترمذى (1321) ) والنسائي في الكبرى (9933) والدارمى (1401) وابن حزيمة فى " صحيحه " (1239) وعنه ابن حبان فى " صحيحه " (312) وابن الجارود (562 والحاكم (2/56) والبيهقى (2/447) من طرق عن عبد العزيز بن محمد أخبرنا يزيد بن خصيفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.. به. قال الترمذى: " حديث حسن غريب ".وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ".ووافقه الذهبى , وصححه عبد الحق الأشبيلى فى " الأحكام " (823). (2) النهي عن البيع والشراء في المسجد عبد الله بن عمرورضي الله عنه، أخرجه أبو داود (1079) الترمذى (322)والنسائي في الكبرى (1/394) وأحمد في المسند (6638) وابن ابي شيبة في المصنف(7982). وابن حزيمة فى " صحيحه " (1238)، قال الترمذي: حديث حسن،  (3)عن كعب بن مالك أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته فنادى :" يا كعب قال : لبيك يا رسول الله فأشار بيده أن ضع الشطر من دينك قال كعب : قد فعلت يا رسول الله قال : قم فاقضه" أخرجه البخاري ( 2710). ومسلم ( 1559). (4) أخرجه البخاري ( 6128). ومسلم ( 286). (5)عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " إِنِّي لَأَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ , فَأُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ ، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ , فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ " أخرجه البخاري ( 868). (6) أخرجه البخاري ( 900) من حديث ابن عمر رضي الله عنه. (7)عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:" إني لأدخل الصلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأخفف من شدة وجد أمه به ". أخرجه البخاري ( 709). ومسلم ( 472). وفي لفظ:" فَأَخفف خشيةَ أن تُفتنَ أمُّهُ ".أخرجه البخاري ( 708). (8) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ :  اعْتَكَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ . وَقَالَ : أَلا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ ، فَلا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، وَلا يَرْفَعَنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ "أخرجه أبو داود ( 1332). أحمد في المسند ( 11486). والنسائي في الكبرى ( 8038). وعبد الرزاق في المصنف ( 4216). وابن خزيمة ( 1098). الحاكم في المستدرك( 1/310).  والبيهقي في الكبرى ( 4319). (9) الأشباه والنظائر لابن نجيم(1/87)، شرح القواعد الفقهية للزرقا(1/105)، الوجيز في أصول الفقه للبرنو (1/18).


التعليقات