• تاريخ النشر : 31/05/2016
  • 756
مصدر الفتوى :
اللقاء المفتوح
السؤال :

يقول السائل: ما حكم من يدفع الرشوة؛ ليأخذ حقه؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
دفع الرشوة الأصل لا يجوز، وثبت ذلك في أخبار عبد الله بن عمرو وحديث ابن عباس وحديث أبي هريرة كلها دالة على أن الرشوة حرام، بل من الكبائر في حديث ثوبان " لعنَ اللهُ الراشِي، و المرتشِي،"(1)      " والرائشَ الذي يمشي بينهما"(2) عند أحمد، والحديث: "لعن الله الراشي والمرتشي" هذا صحيح، زيادة الرائش وإن كان في إسناده ثبوته نظر لكن هو واسطة بينهما، إن لم يكن أشد فليس دونهما، لأنه أعان هذا وهذا وكان سببا في وقوع الرشوة. فالرشوة أمر منكر، لكن عند الضرورة إليها جمهور العلماء جوّزوا ذلك دفعها ولا تكون رشوة في حق المعطي إنما تكون رشوة في حق الآخذ. من القواعد الفقهية: "ما حَرُمَ أخذه حرم إعطاءه"(3). هذه قاعدة، ليست من كلام النبي لكنها أغلبية، ولهذا القواعد الفقهية في الغالب تكون موضع استثناء، حتى بعض القواعد الكلية يرد عليها شيء من هذا، أما القواعد المتفرعة عنها فكثير منها مواضع استثناء، وبعضها ربما يكون الخارج منها أكثر من الداخل فيها، فمما خرج منها هذه المسألة على قول الجمهور هذا إذا كانت الرشوة تدفع في أمر مباح ليس أمر محرم. وأيضا إذا كانت الرشوة تعينت ما أمكن إلا عن طريق الرشوة، إذا استنفذ جميع الوسائل والطرق في استنقاذ حقه لكن لم يتيسر له هذا الشيء فيكون مظلوما فيدفع الظلم عن نفسه. مثل لو جاء ظالم وأراد أن يأخذ ماله ظلما؛ حرام بالإجماع، فإذا أراد أن يدفع عن بعض ماله فأعطاه بعض المال حتى يترك بعض المال يكون رشوة في الحقيقة للظالم، رشاه ولكنه حرام على الظالم، ولا أحد فيما يظهر يقول من أهل العلم يقول: لا يجوز أن تدفع بعض المال لتدفع الظلم عنك. فكذلك أيضا في مثل تلك المسائل لا بأس بذلك، واستدل شيخ الإسلام وغيره من أهل العلم في حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه أحمد رحمه الله في حديث طويل، وفي آخره أن عليه الصلاة والسلام قال: " إن أحدهم يأتيني ويسألني العطية فأعطيه إياها فيأخذ يتأبطها نارًا، قالوا: على ما تعطهم يا رسول الله؟ قالوا: يأبون أن يسألوني ويأبى الله لي البخل(4) فهم يؤذونه عليه الصلاة والسلام بعض من لا يقدره حق قدره قد يكون بعض من لم يتمكن الإيمان في قلبه ممن هم حديثو عهد بالإسلام، وبعض من يكون لم يدخل في الإسلام أصلاً، لكنه لا يندفع آذاه إلا بأن يعطيه شيئا من المال فيتأبطها نارا. فيكون حرام على الآخذ يتأبطها نارا، والنبي أعطاهم ليدفع عن نفسه أذاهم. وجاء عن عمر أنه قال: (اقطعوا لسانه)(5) في الشاعر، معنى أنه يعطى شيء من المال. وجاء حديث يروى في هذا الباب وفيه ضعف " ما وقى بِهِ المرءُ عرضَهُ فهو صدقة(6) وهذا إن كان بابا آخر لكنه يستأنس به بمثل هذه المسألة.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرجه الترمذي في كتاب الأحكام ‏(‏1337‏)‏، وأبو داود في الأقضية ‏(‏3580‏)‏، وابن ماجه الأحكام ‏(‏2313‏)‏، وأحمد  ‏(6791)‏‏.‏ وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (2621). (2) أخرجه أحمد( 5/ 279 ) وابن أبي شيبة ( 587) والطبراني ‏(‏1415‏)‏، والبزار ‏(‏كشف الأستار‏)‏ 2/ 124 برقم ‏(‏1353‏)‏‏. ‏بلفظ " لعن الله الراشي والمرتشي والرائش" والرائش الذي يمشي بينهما . وقال الألباني في الضعيفة 3/381 رقم (1235): لقد ذكر ليث في هذا الحديث زيادة لم يروها غيره وهي "الرائش" كما ذكر البزار ، فهي زيادة منكرة لتفرد ليث بها ، وهو ضعيف لاختلاطه .وشيخه أبو الخطاب قال البزار وتبعه المنذري: لا يعرف .وقال الذهبي : مجهول. (3) السيوطي "الأشباه والنظائر" (1/ 150 )، ابن نجيم "الأشباه والنظائر" (1/132 )، والحموي "غمز عيون البصائر(2/ 448 ) . القاعدة السابعة والعشرون : ( ما حرم أخذه حرم إعطاؤه ) كالربا ، ومهر البغي , وحلوان الكاهن والرشوة , و"حلوان الكاهن" : ما يأخذه الكاهن مقابل كهانته. (1) أخرجه أحمد (10739) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَسْأَلُنِي الْمَسْأَلَةَ فَأُعْطِيهَا إِيَّاهُ فَيَخْرُجُ بِهَا مُتَأَبِّطُهَا ، وَمَا هِيَ لَهُمْ إِلا نَارٌ ، قَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَلِمَ تُعْطِيهِمْ ؟ قَالَ : إِنَّهُمْ يَأْبَوْنَ إِلا أَنْ يَسْأَلُونِي ، وَيَأْبَى اللَّهُ لِي الْبُخْلَ ) صححه الألباني في صحيح الترغيب (844). (2) قال العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين - 1646: رواه مسلم من حديث رافع بن خديج أعطى رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حسن والأقرع بن حابس كل إنسان منهم مائة من الإبل وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك فقال عباس بن مرداس: أتجعل نهبي ونهب العبيد ... بين عيينة والأقرع   وما كان بدر ولا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع         وماكنت دون امرئ منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع قال فأتم له رسول الله  صلّى الله عليه وسلم مائة وزاد، وفي رواية وأعطى علقمة بن علانة مائة، قلت: وجدت بخط الحافظ ابن حجر ما نصه ورواه إسماعيل القاضي من طريق عروة مرسلاً بالقصة وأنه قال يا بلال اذهب فاقطع لسانه الحديث أخرجه في النوادر له والله أعلم، قال ابن السبكي: (6/ 338) أصل الحديث عند (مسلم) مختصراً. وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير (661 ) :حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ثنا عبد السلام بن حرب عن إسحاق بن عبد الله عن مكحول عن عائذ الله أبي إدريس عن غصيف أو أبي غصيف صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال * من أحدث هجاء في الإسلام فاقطعوا لسانه. وأخرجه في مسند الشاميين:(3594) حدثنا الحسن بن جرير الصوري ثنا سليمان بن عبد الرحمن ثنا محمد بن شعيب عن إسحاق بن أبي فروة عن مكحول عن حفص بن سعيد بن جابر عن أبي إدريس عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أحدث هجاء في الإسلام فاقطعوا لسانه " وقال الهيثمى في مجمع الزوائد:( 8/123 ) : رواه الطبرانى وفيه إسحاق ابن أبى فروة، وهو متروك. (3)في تخريج إحياء علوم الدين(3/123) حديث: "ما وقى المرء به عرضه فهو له صدقة". أخرجه أبو يعلى وابن عدي من حديث جابر وضعفه، وفي المقاصد الحسنة للسخاوي (1/451) حديث: ما وقى به المرء عرضه فهوله صدقة، أخرجه العسكري والقضاعي: من حديث عبد الحميد بن الحسين بن الحسن الهلالي عن محمد بن المنكدر عن جابر به مرفوعاً، زاد القضاعي: وما أنفق الرجل على أهله ونفسه كتب له بصدقة، فقلت لمحمد ابن المنكدر: وما معنى ما وقى المرء به عرضه ؟ فقال أن يعطى الشاعر أو ذا اللسان المتقي، ولم ينفرد به عبد الحميد، فقد رواه القضاعي أيضاً من طريق مسور بن الصلت المزني عن ابن المنكدر به ولفظه: كتب له به صدقة.


التعليقات