يسألأ عن حكم الصيانة الدورية للأجهزة بمال محدد, أو مال مقطوع؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
هذه المسألة فيها كلام لأهل العلم وهي من النوازل التي كثر الكلام فيها ولها أحوال:
فتارةً تكون إجارةً وتأمينًا.
وتارةً تكون إجارةً.
وتارة تكون تأمينًا محضًا.
الصورة الأولى: فإن كانت تأمينًا محضًا فهي حرام؛ لأدلة تحريم التأمين, وهذا مثل أن يأمن على أجهزة عنده في البيت, الأجهزة الكهربائية, وكذلك سائر أنواع التأمين, فحكمه حكم سائر أنواع التأمين, فلو أنه اتفق مع جهة أو شركة على صيانة دورية على أجهزته ويقومون بكل ما يحتاج إليه ويأمنون القطع فهذا قمار وأدلته أدلة تحريم التأمين؛ لما فيه من الغرر والمخاطرة, وأنه دائرٌ بين الغبن والغرم, وأدلتها معلومة, فحكمه حكم التأمين.
الصورة الثانية: أن يجمع إجارةً وتامينًا, مثلُ الصور المتقدمة التي هي تأمين ألا تكون صيانة دورية, أن تكون صيانة بحسب الحاجة؛ بمعنى أنه يقول إذا تعطل هذا الجهاز فإنكم تصلحونه وتقومون بكل ما يلزم, هذه هي صورة التأمين.
الصورة الثالثة:إذا كان يتفق مع الشركة بصيانةٍ دورية في سنة أو سنتين أو نحو ذلك ويقومون بتأمين ما يحتاج إليه فهو في الحقيقة جمع عقدين: عقد إيجاره: وهو اتفاقه معهم على صيانةٍ دورية, فلو احتاج هذا الجهاز مثلًا إلى تغيير قطعة أو نحو ذلك فإنهم يقومون بها وتكون على الشركة؛ فهذه صورة ووجهها أنها إيجاره من هذه الجهة من جهة أنها مرتبة على وقت محدد, فيقدرون الإجارة, ثم أيضًا يضيفون إليها مقابل ما يقدمونه له من قطع غيار ونحو ذلك وتكاليف أخرى, هذه جمعت عقدين عقدًا محرمًا وعقدًا جائزًا, العقد الجائز هو عقد الإجارة, والعقد المحرم هو عقد التأمين, لكن لا يمكن أن ينفك العقدين عن الآخر, و"إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام",(1) كما في القاعدة الفقهية؛ ولأنه كما تقدم المقصود منه إصلاح هذه الأجهزة على وجه التأمين وهذا أيضًا يحرم لا يجوز.
الصورةُ الأخرى: وهي أن تكون إجارةً محضة, مثل أن يتفق مع شركة على الصيانة الدورية في سنة أو سنتين أو نحو ذلك؛ بمعنى أنهم يأتون كل شهر أو كل شهرين ويفحصون الأجهزة ويصلحونه ويتفق على مبلغ معين وإذا احتاج إلى قط غيار فإنها تكون على المالك تكون على المتفق معهم ليس عليهم شيء, فهذه الأظهر والله أعلم لا بأس بها؛ لأنها عقد إجارة وصيانة لهذه الأجهزة وفي الغالب أنها تكون معلومةً من جهة العادة والعرف صيانة هذه الأجهزة, وفي الغالب أيضًا أنها لا تكلف مبالغ؛ يعني إنما مقابل حضور الشركة أو المهندس المسئول أو نحو ذلك, فهذه إجارة غاية الأمر, ثم هو في الحقيقة إجارة مضبوطة؛ لأنها صيانة, إجارة محددة مضبوطة وصيانة لوقت محدد, فهذه لا بأس بها. هنا وجهٌ آخر من الصيانة إذا كانت الصيانة من قبل الشركة المصنعة والشركة الموزعة التي تبيع للزبائن, هذا واقع وفي الغالب أن كثيرًا من الأجهزة عليها صيانة سنة سنتين خمس سنوات ونحو ذلك, فهذه هل تجوز بحكم أن الشركة التزمت بهذا الشيء وأنه لم يفرض عقد خاص للصيانة بثمنٍ خاص وعقد خاص إنما كان شيئًا تابع والتابع تابع لشراء السلعة, وخاصة أن كثيرًا من السلع وهذه الأجهزة قد تكون أجهزةً مقلدة, وقد تكون أيضًا مما يخفى حالها؛ فلهذا دفعًا للضرر عن المستهلك فإن الشركة تتكفل بهذا، كل هذا من باب الترغيب وهو في الحقيقة نوع من الدعاية لأجل أن يحصل إقبال من الزبائن لشراء هذه السلع, فالأظهر والله أعلم أنه لا بأس بمثل هذا؛ لأن الثمن محدد وهو يشتريها يشتري هذه السلعة وهذا الجهاز وتكون الشركة هي التي تكفلت بصيانتها والقيام عليها من أجل ما تقدم, وأنه ليس عقدًا منفصلًا وليس عقد تأمين, ويشبه الوعد الملزم, بالعمل بهذا الشيء والقيام به.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الأشباه والنظائر للسيوطي(1/166)،أصول الفقه لابن مفلح(1/7)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (1/93).