يقول السائل: إن بعض المطاعم في الولايات المتحدة الأمريكية, يأخذون البقشيش، والخدمة تختلف إذا أعطيت العامل البقشيش أو لم تعطه وهذا متعارف عليه ولا يستنكره الزبائن ولا العاملون, و كثيرٌ من العمال في المطاعم يطلبون هذا عند المحاسبة, وربما إذا لم تعطه يرد علي
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
في الحقيقة السؤال موضع نظر فيما يتعلق بهذا المال هل يجرى عليه عرف؟ وهذا الشيء ربما أيضًا ربما يكون موجود في بعض المطاعم في كثير من الدول, فإن في كثير من المطاعم يكتبون في أسفل الورقة التي تقدم فيها أصناف الأطعمة أن عشرة بالمائة خمسة عشر بالمائة هذه مقابل الخدمة, فهذه منها؛ والسائل قال البقشيش وكأن المقصود منه مقابل الخدمة, فإن كان المراد بالبقشيش الرشوة على هذا الوجه هذا شيء محرم, وإن قيل إن لها وصفًا آخر يخرجها عن هذا المعنى فبحكم هذا الوصف إن كان يجري مجرى العرف فله حكم العرف, ومن خلال السؤال يتبين أن هؤلاء العمال يعملون في المطاعم باختيارهم وصاحب المطعم يتفق معهم, وأن هذا جاريٍ في المطاعم في بعض الدول, وأنه لا راتب له, وراتبه أو المال الذي له مقابل عمله في المطعم هو ما يقدمه له الزبون من مال, لكنه لم يحدد أكثر ما يعطى إنما يحدد يعني الأقل وأنه لو نقص هذا عن المحدد فإن الذي يكمله هو صاحب المطعم, ولا يلزم الزبون بدفعه, وهذا الوصف قد يكون موضع نظر من جهة إلحاقه بالعرف المستقر الذي يتحاكم عليه عند الاختلاف؛ لأن بعض الأعراف الموجودة فيما يعطى للوسيط بين المشتري والبائع والنسبة التي يأخذها هذه محددة في كثيرٍ من الأماكن ومعروفة مثل هنا في هذه البلاد أن له السعي وهو اثنان ونصف في المائة وأنه عند الإطلاق يلزمه ذلك ويطالب بذلك ويلزم المشتري به, فهذا عرفٌ جارٍ فإذا كما في السؤال أنه لا يلزم الزبون هذا الشيء فلا يكون له حكم هذه الصفة من جنس هذا المال المأخوذ على وجه الإلزام لو امتنع منه ؛ لكن نعلم أن الأصل في العقود الإباحة وهذا فيما يتعلق بالإلزام من جهة وصفه فالأصل في العقود والتعاملات الإباحة, فإذا كان العامل اشتغل في هذا المطعم باختياره وأنه يأخذ ما يعطى من الزبائن هذا لا يكون رشوةً؛ لأنه برضى صاحب المحل والمطعم؛ ولأنه جعل هذا المال مقابل ما يدفعه لهم, إنما الرشوة هي: أن يأخذ العامل مالًا إما هذا في القطاع العام, هذا مطلقًا, والقطاع الخاص حينما يعمل في مؤسسة خاصة أو شركة فأذن له صاحب الشركة في أن يأخذ ما يقدم له من بعض العملاء, وأنه لا يطالبه به هذا لا بأس به, كأنه أعطاه إياه أو وعده هذا الشيء ولا يضر الجهل بهذا الشيء, ثم هو يأخذه من غيره ويعطيه ما تطيب به نفسه, وإن عاد ضرر بسبب هذا الإذن فهو على من أذن؛ لكن لا يجوز لمن أُذِنَ له بذلك أن يكون هناك ضرر يعود إلى هذه الشركة أو هذه المؤسسة حيث أنه يتعامل مع هذا الذي يهدي له وربما يكون ضارًا بالشركة عمله فيه وتكون هناك مشاريع وعقود أحسن وأكثر ربح؛ لكن لا ينصح للشركة بالتعامل معها لأنه يعطونه هذا لا يجوز, فإذا كان يجري عمله بالنصيحة لمن يعمل عنده من شركة أو مؤسسة سواء كان صاحبها واحد أو جهة معنوية يعني مؤسسة تمثل المجلس وتضم رؤساء لهذه الشركة ولكنهم أذنوا إذا كان ناصحًا فهذا إذا أخذه فلا بأس به ولا يكون رشوةً لرضاهم به, إنما الذي لا يجوز هو أن يستأثر به وأن يأخذه على وجه الفدية هذا نوعٌ من الخيانة فيما أؤتمن عليه, فهذه المعاملة على هذا الوصف الأصل فيها الحل، فصاحب المطعم اتفق معه وأجرى هذا العقد بينه وبينه على أن ما يصله من الزبائن مأذون فيه، وإن كان في الحقيقة من شرط الإجارة العلم بها؛ بأن يكون المال الذي يجري عليه العقد أن يكون معلومًا؛ لكن يظهر والله أعلم إنها لا تأخذ وصفًا الإجارة من كل وجه؛ وذلك لأن عمله مربوط بما يقدم له؛ ولهذا يمكن أن يترك هذا العمل ولا يلزمه فلا تكون هذه الإجارة ملزمة له؛ لأنه علقه بما يأتيه من مال؛ كذلك أيضًا صاحب العمل لا يلزمه بذلك, ثم هو يعود على صاحب العمل بعمله الذي لم يأخذ عليه مال لو لم يقدم له, ثم أيضًا ربما لو لم يكن على هذا الوجه لم يمكن فتح هذه المطاعم؛ لأن صاحب المطعم لا يستطيع أن يؤمن لهم هذه الرواتب فيحصل عليه ضرر وضرر أيضًا على الذين لا يجدون أماكن يعملون فيها, فهذا مثل إنسان الذي يتصدر لبعض التعاملات بين البائع والمشتري ثم يأخذ ما قسم الله سبحانه وتعالى ليس على جهة أنه أجيرٌ ملزم بذلك مثل إنسان يعمل على تأمين هذه السلعة للمشترين البائع إما بأجرة مقطوعة أو نسبة أو متعارف عرف متفق عليها كذلك يظهر والله أعلم أن هذا العامل الذي يعمل في المطعم صورته قريبة من هذا الوصف الذي أجراه مع صاحب المطعم قريب من هذه الصفة أنه وسيطٌ بينهما وأنه يخدم هذا المشتري بهذا الطعام بما يقدم له من طعام وخدمة وما أشبه ذلك, ويعلم الزبون أن الأجرة عليه, كمن يعمل مثل بعض الحمالين الذي يكونون عند بعض أصحاب المحلات والخضروات وغير ذلك أو التموينات فربما يكون بينهما اتفاق فيكون موجودًا ويكون في المحل فينتفعون به لأنه ييسر لهم أمر البيع؛ لأنهم يعرفون أنه حمال ويعينونهم على حمل السلعة فمن العرف أن أجرة حمله على المشتري, وهذا ليس له ثمن محدد في الحقيقة لكن يلزمه ذلك, ولذا حينما يفرغ هذه الحمولة في سيارته أو على دابته أو نحو ذلك فيعطيه شيئًا معتاد من المال الذي جرى التعارف به؛ كذلك أيضًا في المطاعم هو من هذا الباب, فهو لا يأخذ وصف الأجير التام إنما هو متصدر لهذا الشيء في الوساطة بين صاحب العمل وبين الزبون, فما قسم الله له رضي به؛ إل أن هناك حد محدد حينما ينقص عنه يكون إما يلزم صاحب المطعم أو أن هذا العامل بالخيار إن شاء بقي أو ترك هذا العمل والله أعلم.