يقول السائل : ما حكم عمل المحامي مع العلم أنه يحكم بالقوانين الوضعية المخالفة للكتاب والسنة؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
السؤال:
الجواب: المحامي عليه أن يتقي الله سبحانه وتعالى، يحمي أموال المسلمين وأعراض المسلمين، وتكون هذه نيته، هذا قصده، وهذا عمله، ولا بأس بعد ذلك أن يكسب من الرزق الحاصل، لكن ينوي الخير، إذا نوى الخير يؤجر، وهذا في سائر الأعمال، فلا تكن همته مجرد تحصيل المال، لأنه حينما يدخل في قضايا ومظالم ويدفع عن محارم المسلمين، ويرفع الظلم عن المظلومين، لأنه في الغالب يكون لمن لا قدرة له بلسانه على الحجة، أو يحتاج لمن يرشده ويدله، أو يكون المحامي له مثلاً من النفوذ والوصول في الغالب ما ليس لهذا المظلوم، فيستعين به ولحجته، وبإجراء قضيته على الأنظمة، فيدله ويرشده، ينوي الخير، وعلى المسلم أن ينوي الخير، ولو كان يعمل بأجر، مثل ما جاء أن "أم موسى ترضع ابنها وتأخذ أجرها"(1)، فينوي الخير الإنسان، مثل إنسان يعمل في أي عمل وينفق على أهله وإخوانه وأولاده، ويعمل في سبل الخير، ينوي الخير، تكون له نية.كذلك المحامي وهذا يدعوه إلى الحذر من الوقوع في القضايا الظالمة التي أصحابها ظلمة، كذلك الحذر من العمل بالقوانين التي تقنن الظلم، أما مسألة العمل بالقوانين في البلاد التي لا تحكم الشريعة والعمل بقوانينها، هذا أولاً له أصلان:
الأصل الأول: من جهة جواز بقائه في بلاد الكفر، إذا كان يسأل عن بلاد كفر أو عن أماكن تكون مثلاً من بلاد المسلمين، لكن إذا كان في بلاد الكفر وكان وجوده فيها لا محظور فيه شرعاً، فهذا له حكمه،
الأصل الثاني: أو كان مثلاً في بلاد المسلمين وكانت هنالك قوانين على خلاف الشريعة، نقول: لا بأس من الدخول في المحاماة، وإن كان هنالك بعض القوانين التي وضعها الناس وليست من الشرع ، لكن لا تخالف الشرع، وإن كانت قوانين وضعية، وهي لا يجوز وضعها، ويجب التحاكم للشريعة، ولكن هناك كثير من القوانين التي يضعها الناس تكون موافقة للشريعة، بل كثير من قوانين الكفار، كثير من أصولها وقواعدها ترجع إلى الشريعة، بل بعضهم ربما استفاد من الشريعة، لكن هي في أصلها باطلة، تقنينها باطل ولا يجوز، والحكم للشريعة، لكن الدفع عن المظلوم واستنقاذ الحقوق، هذه أمور حينما يعمل بها ويتبعها وهي تقرر الحق للمظلوم، وترفع الظلم عنه، هذه لا بأس من العمل بها والأخذ بها، والتحاكم إلى أناس يدفعون الظلم، أما إذا كان يترتب عليها أمر مخالف للشريعة، للنصوص أو الإجماع أو القياس المقطوع به، هذه لا يجوز التحاكم إليها، إنما إذا كانت أنظمة لا تخالف الشريعة الإسلامية، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام قال: "كلُّ شَرطٍ ليسَ في كتابِ اللَّهِ فَهوَ باطلٌ"(2)، يعني: كل شرط يخالف كتاب الله، ولذا إذا اشترط الناس بينهم شروط لا تخالف كتاب الله فلا بأس بها، المعنى: ليس في كتاب الله أنه يخالف كتاب الله، فكل ما يخالف كتاب الله فهو ليس في كتاب الله، وما كان ليس مخالف فهو في كتاب الله، لأن الله لم يحرم كل الشروط، بل أحل الشروط التي توافق كتابه العزيز:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}(3)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}(4)،
وقال سبحانه وتعالى:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(5)، {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} (6)
أمر بالوفاء بالعقود والعهود والشروط، فكل شرط أو عقد يشترطه الناس بينهم فالأصل صحته وسلامته ما دام أنه لا يخالف كتاب الله، من رفع الظلم، فإذا كانت هذه القضايا التي تنظروها لرفع الظلم وتتحاكم إلى من يقرر هذا، لكن أنت بحجتك تقوي حجته وتقرر حجته وأنه مظلوم، تعرف ذلك، حتى يحكم الحاكم برفع الظلم عنه، فهو حكم له بحق واجب له، فلا بأس بذلك ما دام على هذا السبيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عن جُبيرِ بنِ نُفيرٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَثلُ الذين يَغزونَ مِن أُمتي ويأخُذونَ الجُعْلَ يتقَوَّونَ به على عدوِّهم، كمثلِ أُمِّ موسى تُرضعُ ولدَها وتأخُذُ أجرَها».
أخرجه أبوداود في المراسيل (332). وذكره الألباني في الضعيفة (3193).
(2) هو في صحيح البخاري (رقم 2560) وصحيح مسلم (رقم 1504).
(3) سورة البقرة، الآية: 275 .
(4) سورة البقرة، الآية: 282 .
(5) سورة المائدة، الآية: 1 .
(6) سورة الإسراء، الآية: 34 .