مصدر الفتوى :
اللقاء المفتوح
السؤال :

هل هناك حديث صريح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن شارب الخمر لا تُقبل له صلاة 40 يوم, وبذلك لا تُقبل منه باقي الطاعات كالصيام والحج والعمرة؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;  ورد حديث صحيح بمجموع طرقه عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جمع كثير من الصحابة, وقد ألف بعضهم في هذا رسالة جمع فيها الأخبار في هذا الباب، ومنها حديث ابن عمر عند الترمذي(1), وحديث ابن عباس عند أبي داود(2), وحديث عبد الله بن عمرو عند النسائي(3)وعن غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم, وأن من شرب الخمر لا تقبل لهم صلاة أربعين صباحًا, فإن تاب تاب الله عليه, وإن عاد فلم تقبل حتى قال في الرابعة: لم يتب الله عليه وسقاه الله من طينة الخبال. فهذا الحديث بعض الألفاظ تحتاج إلى تفسير بالأخبار الأخرى, لكن بالنظر إلى طرقه وكثرتها وتعددها واختلاف مخارجها فهو حديثٌ صحيح.أما قوله: لم تقبل له صلاة, هذا تأوله الجمهور على أن المراد بذلك أنه لا ثواب له, وإن كانت تُجزئ عنه, ويُثاب الثواب المتعلق بالإجراء, والصلاة على هذا الوجه مُجزئه وتُقبل على الوجه الذي تبرأ به الذمة من جهة عدم الإعادة, أما إثمه بشربه الخمر وصلاته وهو على هذا الوصف لا شك أنه آثم بلا خلاف، ومسألة نفي القبول وقع فيها خلاف، واختار جمع من أهل العلم كالعراقي وقبله ابن العربي, أن المنفي إن كان شرطًا في العبادة فإنه يدل على عدم الصحة, إن كان منفي على هذا الوجه مثل قوله صلى الله عليه وسلم:«لا يَقبَلُ اللهُ صلاةَ حائضٍ إلَّا بخِمارٍ»(4), «لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حتَّى يَتَوَضَّأَ»(5).هذا يرجع إلى نفي شرط، والنفي هنا بمعنى عدم الصحة, وهذا المقارن ليس معصية, وعلامته أنه ليس معصية مثل: بلوغ الجارية أو الفتاة, فلا تقبل صلاتها حتى تختمر, حتى تلبس خمارًا, وكذلك لا يقبل صلاة محدث حتى يتوضأ.أما إذا كان المقارنُ ليس شرطًا معصية مثل: شرب الخمر ومثل: إباق المملوك, فنفي القبول هنا عند هؤلاء العلماء رحمة الله عليهم أن المراد به نفي الثواب وأنه لا ثواب له. مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا, ومن لغا فلا جمعة له»(6) وفي اللفظ الآخر "كانت جمعته ظهرًا"(7) عند أبي داود بإسناد جيد؛ بمعنى أنه لا جمعة له, ليس المعنى النفي هنا أن جمعته لا تصح, لا. جمعته صحيحة, إنما المعنى أنه لا يأخذ أجر الجمعة ولا ثواب الجمعة, ويفوته الأجر بذلك الجمع العظيم وهذه الصلاة على هذا الوصف, والأحاديث يُفسر بعضها بعضًا؛ ولهذا عند أبي داود كانت ظهرًا, وفيه دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم يذكر في الألفاظ ما يكون له معنًا ويحتمل معنًا آخر فيأتي لفظ يُفسره ويبيَّنه، وأحيانًا من نفس اللفظ يتبيَّن، يعني إذا لم يمكن حمله على ظاهره فإنه يُفسر على الوجه الذي يكون موافقًا للأخبار الأخرى, فهذا من هذا, وأنه نفى عنه الجمعة وفسرها بأنها تكون له ظهرًا ومنه قوله: فقد لغى, وكذلك في هذه الأخبار؛ لا تقبل, بمعنى أنه لا أجر له وإن كانت من جهة براءة الذمة تبرأ, ولا يُعيد الصلاة لأنها جاءت تامةً بشروطها, والنبي صلى الله عليه وسلم قال لا صلاة مرتين أو قال:" لا تصلوا صلاة في يوم مرتين" (8) من حديث ابن عمر عند أبي داود، ثم لا نأمره بإعادة الصلاة إلا بيقين الأمر الجديد ونحتاج إلى أمر جديد يلزم عليه أنه إذا قلنا لا تصح صلاته أنه يحتاج إلى الإعادة؛ أنه يعيدها, ولم ينقل أن أحد من أهل العلم قال هذا, إلا أنه يُروى في بعض الأخبار مثل حديث جرير أنه قال: «إِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ»(9) وجاء في لفظٍ آخر ما يدل على أنه عامله معاملة الكافر, لكن هذه الأخبار كما تقدم يُفسر بعضها بعضًا, ويبيَّن بعضها بعض, ويُحمل ما جاء من الألفاظ التي تحتمل هذا على المعصية لأن المعاصي يطلق عليها كفر, وإذا جاء اللفظ مفسرًا فلا حرج بأن يُحمل على شيءٍ يوافق الأخبار الصحيحة.أما باقي الطاعات فالله أعلم الحديث ورد في الصلاة, ولا شك أن عند أهل السنة رحمة الله عليهم أن بعض المعاصي قد تُحبط بعض الطاعات, لكن ليس هنالك معصية تُحبط جميع الطاعات إلا الكفر. وكذلك الذي يُحبط الكفر ويُزيله هو التوبة؛ التوبة من الكفر. أما شيء يحبط جميع الطاعات فليس هنالك عمل يُحبط الطاعات إلا الكفر, أما المعاصي فتحبط ما يقابلها.فلهذا ذكروا على ما جاء في الأخبار ما يدل على أن بعض المعاصي تُحبط بعض العمل, ومن هذا الخبر الوارد في شارب الخمر, وهذا ورد في الصلاة.وهذه المسائل ليست محل قياس, وذلك أنه قال: لم تقبل لفظ صلاة على الوجه المتقدم, لكن إذا تتابعت المعاصي على العبد قد تصل إلى كثيرٍ من أعماله فليحذر من الوقوع فيها.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) عن عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  من شرب الخمر لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه.... الحديث. أخرجه الترمذي(1862)، والنسائي(5668)، وابن ماجه(3377)، وأحمد في المسند (4917)، وعبد الرزاق في مصنفه (24061)، وابن أبي شيبة في مصنفه (17058)، والطيالسي في مسنده (1901)، والحاكم في مستدركه(3624)، قال أبو عيسى هذا حديث حسن، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة(3377). (2) عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" من شرب الخمر كان نجسا أربعين يوما فإن تاب منها تاب الله عليه.. الحديث. أخرجه الطبراني في معجمه الكبير رقم ( 13015) وفي مسند الشاميين رقم ( 765)، كلاهما من طريق شهر بن حوشب عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم..به وشهر بن حوشب معروف بسوء حفظه. (3)عن ابْنَ الدَّيْلَمِيِّ قال لعبد الله بن عمرو هَلْ سَمِعْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ شَأْنَ الْخَمْرِ بِشَيْءٍ فَقَالَ نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لا يَشْرَبُ الْخَمْرَ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي فَيَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَلاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا " أخرجه النسائي في سننه رقم( 5670 )، وأحمد في مسنده رقم ( 6659)، والدارمي في سننه رقم ( 2091)، والطبراني في مسند الشاميين رقم ( 743)،وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ( 709 ). (4)عن عائشة رضى الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يقبل الله صلاة حائض الا بخمار ".أخرجه أبو داود في السنن  رقم (641)، والترمذي رقم ( 377) وابن ماجة رقم (655)، وأحمد في المسند (6/218)، وابن خزيمة في صحيحه رقم (775 ) ومن طريقه ابن حبان في صحيحه رقم(1712)،والحاكم في المستدرك(1/251) وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7747). (5) أخرجه البخاري رقم (6954)، ومسلم رقم (227). (6) أخرجه مسلم رقم ( 858، 859). (7)أخرجه أبو داود رقم (1050) (8)عن ابن عمر يرفعه: "لا تُصلُّوا صَلاةً في يَومٍ مَرَّتَيْنِ". أخرجه أبو داود رقم (579).والنَّسائيّ رقم (رقم 860). وأحمد رقم (رقم 4689). وابن خزيمة في صحيحه رقم (1641) وابن حبان في صحيحه الإحسان/ رقم (2396).. وصححه ابن السكن. (9) أخرجه مسلم رقم ( 70 ).


التعليقات