من زنا وهو محصن هل له من توبة أو يرفع عنه للحاكم ليقام عليه الحد؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
ومن يمنعك من التوبة؟ ومن يحجزك عن التوبة؟ التوبة تقبل ولو وقع العبد في أعظم الذنوب، قال الله عز وجل {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(1). يغفر الذنوب جميعًا بالتوبة، فمن تاب من الذنوب ولو كانت أعظم الذنوب فإن الله يتوب عليه سبحانه وتعالى، لكن إن كانت هذه الذنوب فيها حقوق للعباد فلها أحكامها، ومن ذلك الزنا فمن تاب تاب الله عليه، لكن من تاب وستر نفسه فالصحيح أنه لا يلزمه أن يرفع أمره للحاكم بل يستر نفسه، ومن ستر نفسه ستره الله، وجاء في الصحيحين من حديث عبادة «فمن أصاب منكم شيئًا فعوقب به كان كفارًة له، ومن ستره الله فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له»(2). وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أنه قال: «لا يستر الله عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة»(3). وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إن الله يدني عبده منه ويضع عليه كنفه». وفيه أنه يقول «أنا سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم»(4). وعند الترمذي من رواية يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق السبيعي عن علي رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: «فإن ستره الله في الدنيا فالله أكرم أن يعود في شيء ستره الله سبحانه وتعالى»(5). وهذا هو الصحيح من القولين أنه حينما يستر نفسه فإنه لا يلزمه أن يرفع أمره، وثبت في الصحيحين هذا المعنى وأنه عليه الصلاة والسلام حينما جاءه ذلك الرجل وقال أصبت حدًا، قال: «هل توضأت». «هل صليت معنا». في بعض الألفاظ، ثم قال: «اذهب فقد غفر الله لك ذنبك»(6). ولم يستفسر عليه الصلاة والسلام عن هذا الذنب ما هو، وترك الاستفسار في مقام الإجمال ينزل منزلة العموم في المقال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة: الزمر ، الآية (53).
(2) أخرجه البخاري رقم (17) ومسلم رقم (3223).
(3) أخرجه مسلم رقم (2592).
(4) أخرجه البخاري رقم (6070)، ومسلم رقم (2771).
(5) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ : قَالَ رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ أَصَابَ فِي الدُّنْيَا ذَنْبًا فَعُوقِبَ بِهِ فَاللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُثَنِّي عُقُوبَتَهُ عَلَى عَبْدِهِ ، وَمَنْ أَذْنَبَ فِي الدُّنْيَا ذَنْبًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي شَيْءٍ قَدْ عَفَا عَنْهُ " أخرجه الترمذي رقم (2626) وابن ماجة رقم (2604) وأحمد في المسند (777).
(6) أخرجه البخاري رقم (6823)، ومسلم رقم (2766) من حديث انس بن مالك رضي الله عنه.
وعن وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ ، فَلَمَّا سَلَّمَ ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : " هَلْ تَوَضَّأْتَ حِينَ أَقْبَلْتَ ؟ " قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : " وَصَلَّيْتَ مَعَنَا ؟ " قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : " فَاذْهَبْ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ عَفَا عَنْكَ "أحمد في المسند(15584) وابن حبان في صحيحه (1727) والنسائي في الكبرى (7271).