مصدر الفتوى :
فتاوى المسجد الحرام - رمضان 1436
السؤال :

يقول السائل : رجل يعمل طيار في الخطوط الجوية الدولية وعلى متن الطائرة يتم توزيع الخمور على الركاب هل هذا العمل يجوز؟ ولماذا؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ; لا يجوز تقديم الخمر، النبي عليه الصلاة والسلام لعن في الخمر عشرة، لعن في الخمر عاصرها وبائعها ومشتريها وعاصرها ومعتصرها وحاملها ومحتملها والمحمولة إليه وبائعها وآكل ثمنها ملعونون على لسان النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أنس(1) وحديث ابن عمر(2) وحديث ابن عباس(3) عشرة لعنوا، مثل ما لعن الربا وآكله وموكله وكاتبه(4) فقاعدة الشريعة إذا حرمت شيء حرمت وسائله وطرقه.فالخمر محرمة بالإجماع ودلت عليه النصوص في الكتاب { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ } [المائدة:90 و91] قالوا: انتهينا،*  فالخمر حرام بالإجماع ودلت الأدلة من السنة على ذلك وعلى هذا لا يجوز للإنسان أن يقدم الخمر حتى للكافر لا يجوز ذلك فالحرام حرام، لا يجوز الإعانة على ذلك ومثل ما تقدم أن الشارع إذا حرم شيء حرم طرقه ووسائله فلا يمكن أن الشارع يحرم شيئًا ثم يفتح الطرق إليه، أرأيت الربا لما حرم الربا حرم سبحانه الطرق إليه.الاحتيال على الربا محرم لو أن إنسان أراد أن يحتال على الربا بعقود ظاهرها البيع ما جاز بل ربما يكون شدة التحريم أبلغ من شدة تحريمه لو تعامل معاملة بينة واضحة كما قال أيوب رضي الله عنه ورحمه: "يخادعون الله كما يخادعون الصبيان لو أتوا بالأمر على وجهه لكان أهون"(5) والشارع إذا حرم شيئًا حرم الطرق والوسائل إليه ومن ذلك تحريم الخمر فإذا حرم الخمر حرم شربها كذلك حرم أن تناولها لمن يشرب أرأيتم لو أن إنسان طبخ الخنزير لإنسان يقول أنا لا آكله لكن أطبخ الخنزير وأقدمه وكذلك سائر المحرمات الأخرى يفتح الأبواب والطرق للمحرمات هل هناك إنسان يعقل ما يقول يقول أن هذا جائز لهذا الأمر المنكر والمحرم بلا خلاف، كذلك أيضًا حتى لو كان يقدم للكافر لا يجوز أن تمكن الكافر من ذلك تعين على محرم ، والأمر الثاني حتى الكافر الخمر عليه محرمة، الكافر كما أنه في جرم الكفر كذلك سائر المعاصي الزنا عليه حرام   والخمر عليه حرام، الربا حرام، الكذب حرام، حتى المسلم والكافر لكن الكافر معلوم أنه لا يدري فيعاقب بذنب الكفر وذنب المعاصي الأخرى لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة فمن زاد كفره زاد ذنبه بحسب شدة كفره والمعاصي التي ركبها سوى الكفر كذلك على الصحيح لا يجوز بيع الخمر أو التعامل بالخمر في غير بلاد المسلمين. بعض الناس ربما يتوهم أنه يجوز أن يتعامل بالربا في غير بلاد المسلمين ويعزو ذلك إلى أبي حنيفة، لا، أبو حنيفة ما قال هذا، هذا القول عن الأحناف في التعامل بالربا في دار الحرب، هذا في دار الحرب وهذا قول ضعيف واستدلوا بخبر لا يصح ولا أصل له وأن "الربا جائز للحرب"(6) هذا لا أصل له ولا يصح قولٌ ضعيف وينظر في ثبوته عن أبي حنيفة رحمه الله.لكن ربما قاله في بلاده أو لم يقله أبو حنيفة إلا في بلاد الحرب أما في غيرها فلم يقول هذا ولذا فلا يجوز مثل هذا وعلى الإنسان أن يتقي الله سبحانه وتعالى من العمل في هذه الجهة وهذا طريق لا بركة فيه ولا خير فيه، عليك أن تتقي الله سبحانه وتعالى وأن تبحث عن طريق وسبيل من سبل الخير، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه وبارك الله فيه. كثير من الناس ربما كان هناك معاملات محرمة أو عقود محرمة أو يعمل في جهة محرمة لما تركها نادمًا تائبًا وربما عمل في جهة أو شركة براتب أقل، أقل من نصف الراتب الذي تناوله مثل بعض الناس يعمل في البنوك الربوية ويغرونه في الرواتب فيتركه لله ويذهب إلى جهة عمل تعطيه أقل من هذا الراتب ربما أقل من النصف فرأى من البركة والسعة في المال ربما لم يره في ذاك الراتب الكثير، العبرة بالبركة كان لا يرى البركة في ذلك المال الكثير يذهب المال، قبل أن ينتهي الشهر لا يبقى من المال شيء، لكن لما ترك ذلك لله وعمل العمل الحلال وأقبل على الله تائبا نادما بورك في ماله وصار يأتي آخر الشهر ويفيض المال عن حاجته ويبحث عمن يتصدق عليه بهذا المال وهذا واقع من أناس في قصص تعرفونها وسمعنا عنها وسمعتم عنها من أناس تكون دخولهم ضعيفة من عمل أو من مرتب لكنه قانع بهذا العمل الطيب الكسب الحلال المبارك ربما كسبه يوم بيوم لكنه مستغنٍ به وفيه الخير والبركة وقد يفيض عن حاجته وغيره من الناس راتبه كثير أو تجارته واسعة لكن أمواله محرمة ولذلك لا بركة فيها ولا خير فالبركة والهدى والخير في الأخذ بالسنة والعمل بالسنة بالعمل الحلال والكسب الحلال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)حديث أنس رضي الله عنه أخرجه الترمذي (1295) وابن ماجة (3381). (2)حديث ابن عمر رضي الله عنه أخرجه أبو داود (1295) وابن ماجة (3380) وهوفي المستدرك على الصحيحين"(4\ص144-145) من هذا الوجه وقال:"هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ " (3)حديث ابن عباس رضي الله عنهما أَخْرَجَهُ أحمد (2897) وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ « الْمُنْتَخَبُ »(688)، وَالطَّبَرَانِيُّ في الْكَبِيْرُ »(12/233) وفي« الدُّعَاءُ »(1973) ، وَالْحَاكِمُ (2/37) ، وَالْبَيْهَقِيُّ « شُعُبُ الإيْمَانِ »(5/9/5585). (4) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوْكِلَهُ وَشَاهِدِيهِ وَكَاتِبَهُ وأخرجه أحمد (4283) و (4403)، ومسلم (1597)
(5) وانظر صحيح البخاري(6/2554). وانظر شرح سنن النسائي المجتبى (35/135)، عون المعبود شرح سنن أبي داود(9/243). إغاثة اللهفان": 1/354
(6) استدل الحنفية قديماً – ومن قلَّدهم حديثاً - بأدلة ضعيفة من حيث السند ، وضعيفة من حيث الاستدلال . فمن أدلتهم التي استدلوا بها :

  1. ما روى مكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا ربا بين مسلم وحربي في دار الحرب).
وأجيب عن هذا الاستدلال : بأن الحديث مرسل لأن "مكحول" من التابعين ، والمرسل من أقسام الضعيف ، وقد ضعفه الإمام الشافعي ، وابن حجر ، والنووي ، وآخرون . قال الإمام الشافعي رحمه الله : وما احتج به أبو يوسف لأبي حنيفة ليس بثابت ، فلا حجة فيه " انتهى . الأم " ( 7 / 358 ،  359).وقال النووي رحمه الله : والجواب عن حديث مكحول : أنه مرسل ضعيف فلا حجة فيه ، ولو صح لتأولناه على أن معناه : " لا يباح الربا في دار الحرب " ؛ جمعاً بين الأدلة " انتهى . المجموع " ( 9 / 488). وقال ابن حجر رحمه الله :لم أجده . الدراية في تخريج أحاديث الهداية " ( 2 / 158).


التعليقات