• تاريخ النشر : 03/01/2017
  • 271
مصدر الفتوى :
فتاوى المسجد الحرام - رمضان 1436
السؤال :

يقول السائل : إنه كان يخطئ وأنه كان يسرق أموالاً ثم تاب منها فماذا عليه؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ; لا شك أن السرقة كبيرة من كبائر الذنوب، فإذا كنت سرقت أموالًا، وهذه الأموال لأناس تعرفهم، فالواجب عليك أن تردها إليهم؛ لأن هذه عندك الآن بمثابة الأمانة، وأخذت على غير وجه حق، فالواجب أن تردها إليهم، فإن كان صاحب المال موجود ترده إليه، وإن لم يكن موجود، ووجد مثلًا ورثته، فكذلك.لأنه قد يقول بعض الناس أنا لا يمكن أن أردها إليهم أخشى أن انفضح، وانكشف، ونحو ذلك نقول لا يلزمك أن تردها بنفسك، ولا يلزمك أن تخبر بذلك استر نفسك بل عليك أن تستر نفسك، ولا تقل ذلك؛ فهناك طرق يمكن إن كنت تعرف من سرقت منهم المال، أو تعرف أهله، أو قرابته، أو ورثته إذا كان قد مات، ففي هذه الحال عليك أن ترسلها من طريق من يعرفه مثلًا، وتقول هذا المال وجدته له أو تقول هذا المال أوصله شخص له، ونحو ذلك إلى غير ذلك من الطرق التي يمكن أن توصل المال إليهم بها من دون أن تبين أنك سرقت منه هذا المال هذا هو الواجب عليك.فإن كنت يئست منهم، ولم تصل إليهم في هذه الحال عليك أن تتصدق بالنية عنهم ما دمت يئست منهم تخرجها، وتتصدق بها بالنية عن صاحب هذا المال، والله سبحانه، وتعالى يعلمه، ولك أجر بذلك من جهة الصدقة عنه، وتصلهم صدقة هذا المال. وهذا من المواضع التي يمكن أن تتصدق عن الشخص بغير علمه من ماله الذي أخذ منه، ويصل إليه والله سبحانه وتعالى يعلم. وهذا هو ما فعله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كما عند البخاري معلق " هو أنه اشترى جاريةً، ثم ذهب ليأتي بالمال، فخرج لصاحبه، فلم يجد صاحب الجارية بعد أن أحضر المال ثم قال: اللهم على، ولي، اللهم علي، ولي، فجعل يتصدق بالدرهم، والدرهم، ثم قال: إن وجدته أعطيته، وإلا فلي"(1) يعني إن وجد صاحب المال، فيقول: إني قد تصدقت بها فهل تمضيها؟ فإذا أمضاها، فهي لصاحب المال، وإن لم يمضيها فهي لي بمعنى أنه يضمن له المال، ويكون قد تصدق بها وتعود الصدقة إليه.كذلك في هذه الحال لو أنك تصدقت بها، ووجدته بعد ذلك، فتخيره، فتقول: لقد تصدقت بالمال عنك ظننت أنني لا أجدك فهل تمضي الصدقة؟ فإن أمضى الصدقة، فالحمد لله، وإلا فإنك تضمنها له، وتكون لك. وكذلك يزيد أبو الأسود الجرشي سأله معاوية رضي الله عنه لما أنه بعض المال الذي غل، فوجد عند بعض الناس ممن غل هذا المال؛ في إحدى المعارك، وجمع المال الذي غله بعضهم، وكان المجاهدون قد تفرقوا ذهبوا إلى بلادهم لما انتهت المعركة، وقتال العدو، فضاق الأمر على معاوية كيف يصنع بهذا المال؟ وأهل المال ذهبوا تفرقوا في البلاد، وليس هناك وسائل اتصال ذلك الوقت. فقال: يزيد أبو الأسود:" تصدق به عنهم، فإن الله يعلمه"   وقال معاوية: " وددت لو أني كنت أفتيت بكذا، وكذا، وأني قد خرجت من كذا، وكذا" يعني أعجبته هذه الفتية من يزيد أبو الأسود الجرشي، وكان عالمًا عابدًا ، وعلى نحو ما قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. الحالة الأخرى: إذا كان الشخص الذي سرق هذا المال يعني لا يستطيع الإعادة لأنه أخذ المال، وتصرف فيه، وتاب لكن ما عنده مال، ولا يستطيع في هذه الحال، نقول: يبقى الدين في ذمته حتى تجد شيئًا، فإن لم تجد، فإن الله يعلم منك أنك تريد أن ترده لأصحابه فإن الله يعلم إن تاب الله عليه، "والتائب من الذنب كمن لا ذنب له"، فهو كمن أخذها يريد أدائها، "ومن أخذ أموال الناس يريد أدائها أدى الله عنه"(3)، وما وقع من السرقة يمحى بالتوبة، فكأنه لم يكن، وكأن هذا الفعل المحرم لا وجود له، وكأنه عدم، فعليك أن تنوى الأداء متى ما وجدتهم.    

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  (1) سنن البيهقي (6/187). (2) روى ابن ماجة (4250) والطبراني في " المعجم الكبير " (10281) وأبو نعيم في " حلية الأولياء " (4/210) والبيهقي في " السنن " (20561) من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ) ورجاله ثقات ، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه ، فهو منقطع ، راجع "التهذيب" (5/65(  لكنه يتحسن بالشواهد ولذلك حسنه بعض العلماء ، وصححه بعضهم لغيره بالشواهد . قال الحافظ في الفتح (13/471) : " سنده حسن " . وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية " (1/ 87): رجاله كلهم ثقات " . وحسنه السيوطي في " الجامع الصغير " (3386) ، وكذا الألباني في "صحيح الجامع" (3008). (3)حديث أبي هريرة عند البخاري (2387) بلفظ: "من أخذ من أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله"،


التعليقات