يقول السائل : ما حكم بيع الأجهزة الإلكترونية، وبما فيها التلفاز؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
الأجهزة هذه كالتلفاز ونحوها من الأجهزة التي تبث خلالها مشاهد متهتكة، وصور ومفاسد، فأقسامها وأنواعها تختلف، منها ما يكون شرها مستطير، ومنها ما يكون أخف من ذلك، ويدخل في ذلك أجهزة الحاسبات، والجوالات، كذلك الوسائط، الوسيط الذي يستقبل ، يعني الإنسان الذي يستقبل عن طريق بعض الأجهزة، بما يسمى بالريسيفر وما أشبه ذلك، كذلك سواء هذه الأجهزة أو الوسائط كلها أجهزة تستعمل فيها الريسيفر. فهذه تختلف ما كان يحمل شيء هذا له حكم، وما كان وسيلة له حكم يختلف. الوسيلة ليست كالغاية، لكن مادام أنها واحد، فالقاعدة الشرعية أن الوسيلة للمحرم حرام، والوسيلة للمباح حلال، والوسيلة للواجب واجب.والقاعدة الأصولية الفقهية، أن الوسائل لها أحكام المقاصد (1)، والمراد الوسائل القريبة، لا كل الوسائل والشرائع والوسائل البعيدة، ليس لها أحكام المقاصد، إنما المراد الوسائل المفضية والإفضاء قد يكون مباشرا وقد يكون في حكم المباشر، لكن الوسائل لا تخشاها، وسيلة بعيدة، بعيدة في إيصالها إلى المقصود، أو يعني يتعذر أو يندر، وإذا لحرمنا كثير من الأشياء التي تباع.
نقول لا يجوز بيع العنب، ولا يجوز بيع التمر، ولا بيع العصائر، لأن عصير العنب، يستعمله في الخمر، ويجوز الذي يشتري العصير أن يجعله في جلسة القمار، في خمر ونحو ذلك، أو حفلات راقصة موسيقى وأغاني وما أشبه ذلك.
لكن لما كان أن هذه المشروبات والمأكولات في الأصل هي مباحة، لا نحرمها، فإذا كانت ينظر في نفس الشيء المستعمل. ولهذا لا ندري من كانت شريعته بعيدة، وإن كان قد يأتي بإنسان لا تعلم حاله، يشتري هذا العنب يعصره خمرا، أو يشتري هذا المشروب يجعله في جلسة خمر، أنت لا تعلم ولا نقول يلزمك أن تسأله، هذا العنب ماذا ستصنع به، فلا يلزم بل لا يشرع لك ذلك.
حينما نأتي إلى التلفاز، أو جوال، أو حاسوب، هذه في الحقيقة اليوم صارت مصائب وبلايا، صارت ذرائع ووسائل، وسائل وذرائع إلى أمور محرمة.
ولذا أفتى كثير من أهل العلم، أنه لا يجوز التجارة فيها، ولا يجوز العمل بها، وإن كان في أصلها يمكن أن تستعمل هكذا وأن تستعمل هكذا، لكن لما كانت الذرائع مفضية، إما غالبا وإما كثيرا، والقليل في المباح، والأكثر في المحرم.
والقاعدة أنه إذا غَلب الحرام غُلب الحرام، وإذا اجتمع الحاضر والمبيح، غلب الحاضر على المبيح، فلا نقول أنه يمكن أن يستعمل كذا وكذا، صح يمكن أن يستعمل كذا وكذا، المحرم في الشيء الذي يكون الغالب مثل ما تقدم في الأطعمة والمشروبات، ولهذا لو علمت أن هذا الشخص الذي يشتري هذا الشراب، أو يشتري هذا الطعام، يستعمله في أمر محرم، وإن كان لم يقل ذلك لا يجوز لك أن تبيعه، خصوصا، لكن تبيع غيره، إذا غلب على ظنك أن هذه الأجهزة تستعمل في أمر حرام، فأفتى كثير من أهل العلم في هذه البلاد وفي غيرها أنه لا يجوز مطلقا حتى يغلب على ظنك أنها تستعمل في أمر مباح، إما أن تعلم أن هذا الشخص يستعملها في مباح، أو في أمور شرعية.
مثلا يستعمل جهاز التلفاز فيما يسمعه من حديث وذكر، أو ومشاهد مباحة أو أخبار أو نحو ذلك، أو جهة كذلك يستعملها في أمور مباحة، في أمور الخير والدعوى إلى الله سبحانه وتعالى.
فإذا لم تعلم ذلك عليك أن تعمل بالشيء الذي هو غلبة الظن، وهو استعمالها كثيرا في المحرم.
ولهذا نرى اليوم هذه الأجهزة خاصة الجولات التي تنقل وتبث لمن يحملها كل ما يقع، مباشرة في العالم ويرى عبرها؛ الشيء المحرم والشيء الحلال، تنقل الكفر تنقل الزندقة، تنقل الإلحاد، وهل فسدت أخلاق كثير من الناس وظهرت أمور من الكفر والإلحاد بالله عز وجل، ونشر البدع والضلالات وسب الدين، إلى غير ذلك إلا عبر هذه الوسائل والوسائط التي انتشرت انتشار النار في الهشيم.
وإن كان حصل فيها مصالح وخير كثير، وهذا واقع نسأل الله سبحانه وتعالى أن يظهر الخير، ويزهق الشر وأن يجعلها وسائل خير وهدى وصلاح، ونشر العلم والدعوى والهدى، بمنه وكرمه.
لكن الغالب عليها وهو المشاهد والأكثر بل ربما قد نأتي مكان في طريق في سوق في مطعم، في مجمع، نرى هذه الوسائل فيها الصور الماجنة والصور المحرمة والصور الفاضحة، قل أن ترى فيها أمرًا من أمور الخير، بل إنك يعني ستخجل من هؤلاء القوم، يعني من حالهم يعني كيف، يبقون على مثل هذا وكيف يجرؤون على مثل هذه الحال، وينشرون الشر والفساد.
لأن هذا الذي يضع هذه الشاشة في هذا المكان، مسكين لا يدري أن عليه آثام كل من رآه في الأمكنة.
إنسان ولي في بيته، يدخل هذا الجهاز، يسمع عبره الأغاني ويرى الصور الماجنة ويراه أولاده، وأهله ويراه من دخل، كل من رأى هذا المحرم، أثمه عليك وعليه، لأنك أنت السبب هذا أمر خطير، بل الناس لا تفكر في هذا الأمر، مسكين مغرر بنفسه، مغرر بنفسه.
فالإنسان الذي يحمل معه في سيارته ويسمعهم الأغاني، يزعمون أنه تطرب أسماعهم لها، وهو يسمعهم، عليه آثامهم، وآثامهم عليهم لا تنقص من آثامهم، لكن كما قال عليه الصلاة والسلام" من سن سنة سيئة فعليه إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة"، فكيف فلذة كبدك أولادك أهلك، الأبناء والبنات تربيهم على الأمر المحرم، وتسمعهم هذه المحرمات، بل ربما تكون حياتهم كذلك لأنك نشأتهم على هذا.
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه.
الناس ينشئون على مثل هذا، فالتربية الصحيحة، التربية على كتاب الله، وعلى سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، على ما جاء عن السلف رضي الله عنهم، فالكبار يُنشئون كبارًا، والصغار يُنشئون صغارًا،
وأهل الفجور وأهل الفسق ينشئون كذلك، فذاك النبت من ذاك الغرس، أنت تغرس هذا وتجنيه وتحصده، فلتحصد الذل والهلاك في الدنيا قبل الآخرة، ويجري عليه هذا العمل السيئ في أخرته في قبره، فهي نار تلظى والعياذ بالله.
وعلى المسلم أن يحذر وأن يجتهد وأن يحاسب نفسه، قيل أن يحاسب قبل أن تأتي عليه هموم وبلايا مصائب.
فأقول عود على بدء، إن هذه الأجهزة خطرها عظيم وشرها كبير، وضرها مستطير، على الأمة وعلى من أبتلي بها أن يجتهد، في نفسه أولا، نفسك أولا، في نفسك، أن تجتهد أولا مع نفسك، قال عليه الصلاة والسلام، يقول في فاطمة، سلينى من مال الله ما شئتي فإني لا أغني عنك من الله شيئا، لا أغني النبي وهو النبي عليه الصلاة والسلام.
يقول يا صفية عمة رسول الله، يا فاطمة بنت محمد يا عباس عم رسول الله سلوني من مال الله فإني لا أغني عنكم من الله هو رسول الله عليه الصلاة والسلام.
{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}[المدثر:38].
{يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 89:88]
{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}[الأنعام:164].
{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}[المدثر:38]. مرهونة بعملها ومن عمله الذي سطر، والذي رسم.
فرق بين من يربي الأجيال والأولاد ، على الخير والهدى، ويكون خلفهم، ولد صالح من ابن أو بنت نشأهم رباهم تربية صالحة، فهم يدعون له، قال: عليه الصلاة والسلام "إذا مات ابن أدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
فالواجب هو أن تجتهد في حماية نفسك، وصيانة نفسك، ثم بعد ذلك تجتهد في صيانة ولدك، أبناءك أهلك، زوجك، كذلك من يذودون بك، قرابتك ذلك، سواء كانت هذه الأجهزة موجودة وأنت تراقبها، وتجتهد في ذلك، فالله يعينك وقادر على أن يصلح ذرارينا وذرايكم وأن يهدينا وإياهم إلى الهدى والصراط المستقيم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الشرح الكبير لمختصر الأصول للمنياوي (1/214)، معالم لأصول الفقه عند أهل السنة(1/297).