يقول السائل : هل يجوز دفع الرشوة؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
الرشوة حرام لا تجوز؛ صحت بذلك الأخبار عن عبد الله بن عمرو(1)، وأبي هريرة،"لعنَ اللهُ الراشي،والمرتشي في الحكمِ"(2) صححه الألباني، وحديث أبي هريرة عند الترمذي:وفيه "في الحكم"، وعند أحمد من حديث ثوبان: "لعن الله الراشي والمرتشي والرائش، وهو الذي بينهما"(3)، فالرشوة حرام بإجماع المسلمين. والرشوة هي دفع المال لأجل الحكم بالحق، أو دفع المال لأجل الحكم بالباطل، أليس كذلك؟ الدفع للحكم بالحق، هل يجوز؟ لماذا؟ الباطل واضح، لكن لأجل أن يحكم بالحق هل يجوز؟ أقول الرشوة: هي دفع المال للحكم بالباطل أو دفع المال للحكم بالحق، هل دفع المال للحكم بالحق يجوز؟ هو الذي يجب عليه، لأنه يجب على الحكم، يجب على من كان له حق، إذا كان لا يحكم بالحق إلا إذاأعطي مال، فإنه يحكم بالباطل إذا لم يعطى، من أعطاه المال حكم له، يحكم لمن أعطاه سواء بالحق أو بالباطل، الهدية هي دفع المال، وهي في الحقيقة تكون رشوة حينما تدفع للحاكم ابتداءً بدون سبب، يعني تدفع له هذه هدية وتكون رشوة إلا لمن بينك وبينه مهاداة، مثلاً بينك وبين إنسان صديق لك، هو قاضي، أو إنسان موظف وأنت في العادة تهدي له هدية، كل عام أو في العيد، وصار موظف مسئول أو صار قاضي مثلاً، لا بأس أن تستمر بالهدية، لأنه لم يستجد شيء،
لكن حينما صار قاضي، صار موظف وتعطيه هدية لا يقبلها، لأنه في هذه الحالة كما قيل إذا دخلت الهدية من الباب خرجت الأمانة من الكوة، هذا أمرلا يجوز، ولهذا يقول بعضهم: ما أهداني أحد هدية إلا وجدت قلبي يميل لأحدهما أكثر من الآخر، حتى إن بعض قضاة العدل في الإسلام لما مرة أعطى هدية فرد الهدية، ثم حكم بعد ذلك له، هو رد الهدية ثم أنهى قضيته ثم بعد ما ترافع، كتب كتاباً للوالي يطلب عزله، قال الحاكم: لمَ؟ قال: أهداني فلاناً هدية قبل أن يدخل، قال: قبلتها؟ قال: لا رددتها، قال:هل حكمت له؟ قال نعم، قال: لكني وهو بين يدي وجدت قلبي يميل نحوه، هذا وهو قد ردها، لأن الهدية لها أثر، وهذا من عظمة الشرع في سد الباب في الهدايا لمن له ولاية، لمن له إمارة، لمن له قضاء،جوز جمهور العلماء الهدية الرشوة التي لاستنقاذ الحق، لو كان إنسان له حق عند جهة من الجهات، وكان هناك موظف مماطل، ولا يقضي قضيته، يحاول الوسع بكل السبل، ولن يحصل له إلا بأن يدفع له رشوة، هل يجوز أو لا يجوز؟ ظاهر الأخبار وفي رأي كثير من أهل العلم: أنه لا يجوز، ومن أهل العلم من قال: هذا ظلم متعدي، وهو الآن لا يمكنه استنقاذ حقه ، وليس له طريق إلا بأن يدفع له هل يجوز أو لا يجوز؟ جوز كثير من أهل العلم أنه يجوز أن يدفع له، وتكون رشوة في حق الآخذ، واستنقاذ حق في حق الدافع، ويكون الآخذ ظالم، آثم، والدافع لا شيء عليه، لأنه يدفع عن نفسه، واستدلوا بحديث أبي سعيد الخدري عند أحمد بإسناد صحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إنَّ أحدَكُم ليخرجُ مِن عندي بحاجتِهِ مُتَأَبِّطُها وما هيَ إلَّا النَّارُ قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ! لِمَ تُعطيهِم؟ قال: يأبُونَ إلَّا أن يسألوني، و يأبَى اللهُ لي البُخلَ"(4) [صححه الألباني] رأيت وجه الدلالة؟ أنه عليه الصلاة والسلام- يقول: "يأبُونَ إلَّا أن يسألوني"، يعني يلحون، بعض ممن لا يعرف قدره، قد يكون من بعض المنافقين، أو قد يكون من أناس لا يعرف للنبي حقه، فيحصل الإيذاء والطلب والإلحاح، فيؤذي النبي –عليه الصلاة والسلام- فيعطيه ليدفع ماذا؟ لسانه، يقول أعطيهم لأدفع أذاهم، "مُتَأَبِّطُها وما هيَ إلَّا النَّارُ"، وورد في حديث ضعيف:"وما وَقَى به المرءُ عِرْضَه كُتِبَ له به صدقةً"(5) يعطيه شيئاً من المال يقطع به لسانه، إلى غير ذلك وفي أثر يقطع لسانه يعني يعطيه من المال، لكن عطفاً على ما تقدم، فإذا كان على هذا السبيل تجوز في حالة الضرورة إذا احتاج إليها ولم يبقى طريق إلا هذا الطريق، مع السعي في البلاغ عن مثل هذا الذي يرتشي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أبو داود (3580) والترمذي (1337), وابن ماجه (2313) وأحمد (6740).
(2) أخرجه أحمد (27477), والترمذي (1228), وابن حبان (5076) والحاكم (4/99).
(3) أخرجه أحمد (21892), والحاكم (4/99). والبزار- البحر الزخار- (4160).
(4) أخرجه أحمد بإسناد صحيح 3/4، 16 ، والبزار 1/342-343 (224) ، وأبو يعلى 2/490 (1327) ، وصححه ابن حبان 8/203 (3414) ، والحاكم على شرط الشيخين 1/109 ، وحسَّنه الضياء في المختارة(1/200-201) وقال الهيثمي في المجمع 3/94 : (( رجال أحمد رجال الصحيح).
(5) أخرجه أبو داود الطيالسي (1819) والقضاعي في مسند الشهاب (95), والطبراني في الأوسط (6896) وابن حجر في المطالب العالية بزوائد الثمانية (1761),