مصدر الفتوى :
اللقاء المفتوح
السؤال :

السؤال: هل تجوز لعبة البلياردو والشيش ونحو ذلك والمونوبوني؟.

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ; هذه الألعاب لها أحوال، أحوالٌ تحرم بلا خلاف، وهو إذا اشتملت على مال فتكون من الميسر والقمار، فلا يجوز أخذ المال إلا في أحوال خاصة وردت فيها النصوص وألحق بها ما كان في معناها، أما إذا كانت بغير مال فيمكن أن تلحق بالنرد، فالنرد حرام، والشطرنج حرام على الصحيح، سواء كان بجعلٍ ومال هذا لا خلاف فيه، أما إذا كان بغير مال فالنرد حرام، وكذلك الشطرنج، وإذا حرم النرد فالشطرنج من باب أولى، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: "من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزيرٍ ودمه"، أخرجه مسلم،(1) وفي حديث أبي موسى عند أبي داوود أنه عليه الصلاة والسلام قال: "من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله"(2)، برواية سعيد بن أبي هند  عن أبي موسى، وهو منقطع، لكن شاهده هو حديث مسلم، وهذا الحديث دليلٌ على تحريم اللعب بها بلا عوض، وأما بعوض فإن دلالته واضحة أيضًا، لأنه قال: من لعب النرد فكأنما صبغ يده، فشبه الذي يلعب النرد بالذي يصبغ يده، لأنها مقدمة لأكل لحم الخنزير. لهذا إذا كان بمالٍ فإنه كمن أكل لحم خنزير، وإذا كان بغير مالٍ فكأنه صبغ يده فيه، والتلطخ بالنجاسات لا يجوز، وخاصة مثل هذه النجاسة،
نجاسة لحم الخنزير ودمه، فجعله مرتبتين بالنظر للحديث، ولا شك أن هو بالمال أقبح، وأشبهه قال: "كأنما صبغ يده بلحم الخنزير ودمه"، وقال: "من لعب بالنرد"، مجرد اللعب بالنرد. والشطرنج أيضًا على الصحيح أنه يحرم لأنه إذا حرم النرد فالشطرنج كذلك، قيل لما فيه من قوة الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، لأن العلة في تحريم الميسر هو أنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، أما ما فيه من المال وأكل الباطل فهذا يحرم، لأنه أخذ مال بغير حق، ولهذا حرم الربا، والميسر أشد تحريمًا من الربا لما فيه من المفاسد التي أشد من المفاسد في الربا، و النرد بغير حوض يحرم كما تقدم. والشطرنج يبنى على التفكير والذكاء، والنرد مبني على الحظ والحجر والتخمين، ولهذا قيل الشطرنج مبني على مذهب أهل القدر أو القدرية، والنرد مبني على مذهب الجبر، لأنه مبني على التفكير الذي هو الشطرنج، والنرد مبنيٌ على الحرج والتخمين والحظ.وأنت إذا تأملت هذه الألعاب هي في الحقيقة تبنى على الحظ، وخاصة البيلياردو والمونوموني ونحو ذلك، وبعض الألعاب التي تكون فيها فصوص وتشبه فصوص النرد، وفيها مكعبات سداسية وفي بعض وجوهها نقط سود فيرمي بها وينظر حظه، وهذا يبين أن حكمها حكم النرد، وخاصة أن كعابها مثل كعاب النرد، والطريقة التي يلعب بها هؤلاء هي طريقة أهل النرد في هذه الألعاب، ومن البيلياردو وكذلك الشيش هي مثلها، ترمى فينظر حظه، وهذا بين بالنظر إلى حال اللاعبين وما يجري بينهم في حال اللعب، ولأنه إذا كان يبنى على الحرج والحظ والتخمين فإنه ربما لا تكون اللعبة في صالحه فيبأس، ويقول أنا تعيس، أنا فاشل، أنا ليس لي حظ، أنا كذا وكذا، ثم بعد ذلك يتدرج ربما إلى سب ما حصل له، وما وقع له، وهذا يفضي إلى التسخط على المقدور، وإن كان على هذا الوجه الذي هو أصلًا محرم، يعني أنه يتسخط على الوجه المحرم فلا يجوز، كمن يقع مثلًا في محرم وتعدي فلا يحصل مقصوده في السرقة فيتسخط ما وقع له، ولأنه هو في الحقيقة مذنبٌ وواقعٌ في إثمٍ في نفس فعله، ثم بعد ذلك هو في ذنبٍ آخر حيث لم يحصل له ما يريد فيتسخط مع أن أصل فعله محرم، ولهذا لما بنيت على هذا الوجه خاصة أنما تربى على الطريقة التي يلعب بها أهل النرد، وأيضًا ما يكون فيها من المال والخيالات التي تسبح بالإنسان في الأوهام، فكذا كافٍ في تحريمها. ثم أيضًا هنالك علل أخرى وهو أن شيء من هذه الألعاب يكون فيه من شغل الفكر والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وأن الإنسان الذي ينشغل بها لا يكاد ينتبه لأموره ومصالحه، بل إن بعض أهل العلم يقول إن المباحات إذا ضايقت الأمور المشروعة وشغلت عنها فإنها تحرم، هذا في الأمور المباحة جزمًا، وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وجماعة من أهل العلم، ووافقه كثيرٌ ممن اطلع على قوله رحمه الله حيث قال ونص على أن دحي الكرة وغيرها إذا ترتب عليها مضايقة أو إشغال عن العلم المشروع أو عن الأمور المشروعة فإنها تمنع وتحرم ونحو ذلك، فإذا كانت هذه الألعاب التي هي في أصلها مباحة فكيف بما كان محرمًا.أو لو سلم وقيل إنها على قول بعضهم شبهة قوية فإذا آلت وهو حالها وواقعها ولو ادعى من يلعب بها خلاف ذلك فإن الواقع خلاف ما يدعي في صرفها من يلعب بها وإشغال ذهنه وفكره مع ما فيها مما يحصل من العداوة والبغضاء والتسخط لما وقع له، لابد أن يحصل في هذا وهذا، وهذا لا شك يعود إلى تسخط أمرٍ حصل له، وربما يؤول إلى أمورٍ محرمة غير المحرمة الذي هو واقعٌ فيه من هذه اللعبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)أخرجه مسلم (2260). (2)أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (1274) ، وأبو داود (4938) ، وابن حبان (5872).


التعليقات