السؤال :
ما الحكم في رجل لديه محل زهور وغالب عمله في تزيين أفراح النصارى والكنائس في الأعياد، هذه طبيعة عمله؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ما يتعلق بتزيين أفراح النصارى لا شك أنه لا يجوز أن يعاون اليهود والنصارى على دينهم باطل، ومن باب أولى أنه يعين على ما فيه أفراحهم، فهذا فيه إعانة على الباطل، والله تعالى يقول: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ)[1]. والأفراح التى هى الأعياد أشد وأعظم؛ وذلك أن الإعانة فى مثل هذا نوع فرح بعيدهم ومشاركة، والمشاركة لهم فيها مفاسد:
- أولاً: أنه إعانة على ما هم فيه من هذا الباطل.
- ثانياً: أن فيه نشر لدينهم الباطل.
- ثالثاً: أنه فيه فرحًا، أو فيه موافقه لهم فى عيدهم، ومعلوم أن عيد أهل الإسلام عيد خاص، وأن الله أبدلنا بالأعياد الإسلامية مكان الأعياد الباطلة لهذه الأديان الباطلة، وكذلك أعياد الجاهلية لقوله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ولهم عيدان النيروز والمهرجان فقال: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ) [2] كما ثبت فى الخبر الصحيح عند أبى داوود وغيره، وهذا أيضاً فيه تشبه بهم وموالاة لهم، والله عز وجل قال: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)[3]،وفيه تشبه بهم،والنَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»[4]
وكذلك أيضاً من وافقهم وعمل عملهم، فإنه يخشى أن يحشر، وأن يكون معهم، وجاء عن عبد الله بن عمر أنه يحشر معهم حين يكون فى النيروز والمهرجان وما أشبه ذلك من أعياد؛ فهذا أمر منكر بلا إشكال. ولا يجوز مثل هذا العمل، لكن على المسلم أن يعمل العمل المباح مثل ما يكون من زهور وورود، فهذا لا بأس به؛ لإنها من التجارة المباحة، والأصل تجارة مباحة سواء كان فى وروود وزهور، فهذا هو الأصل فى القاعدة فى المبياعات، لكن ينبغي الحذر خاصة فى مثل هذه الأيام فى أعياد النصارى، والأعياد الجاهلية، والأعياد الوثنية المنتشرة اليوم فى كثير من البلاد، ويقع فى كثير من بلاد المسلمين تقليداً ومتابعة لليهود والنصارى حتى قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: (حتى لو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَتَبِعْتُموهُمْ)[5]وهذه مصيبة ابتلي بها كثير
من المسلمين اليوم؛ المشابهة فى الأعياد وما يسمى بعيد الحب، وما أشبه بذلك الأعياد المحرمة. وما يبلغ من ذوبان كثير من شخصية كثير من أهل الإسلام، من الذل والانصهار في هذه التقاليد الفاسدة الباطلة؛ حتى إن بعضهم يقلدهم في مثل هذه الوردة ويأخذ وردة حمراء أو يلبس ملابس حمراء، ويتهادون هذه الورود في أعياد تسمى عيد الحب، وهذا لا شك منكر عظيم، فكيف إن كان هذا إعانة على أن يبيع لهم وأن يظهر ويشهر أعيادهم، هذا من الأمر الذي لا يختلف أهل العلم في تحريمه.
وأقول لأخينا ومن ابتلي من غيرهم بمثل هذا عليه أن يحاسب نفسه، وأن يراجع نفسه، وأن يدع ما فيه من الأعمال المنكرة، وهي تغضب الله سبحانه وتعالى، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه[6].
ولا يضر الإنسان الذي يبيع الورود ويشتري منه أناس ويعصون الله بها، وهو لا يعلم، بشرط أنه لا يعلم، لكن لو علمت أن هذه الورود تؤخذ ويعمل بها أعياد جاهلية، سواء كانوا نصارى أو مسلمين يقلدونهم فلا يجوز لك ذلك.إذا علمت بالحال والواقع فالأصل السلامة. كالكثير مما يباع ويشترى إنسان يبيع عنباً، يبيع فاكهة، وما شابه ذلك، قد يأتي إنسان وأنت لا تعرف حاله، يشتري الفاكهة، ويعمل عليها دعوة محرمة أو يشتري عنبًا ويجعله خمرًا، أنت ما دمت لا تعلم فالأصل السلامة. أما إن علمت وغلب على ظنك فالقاعدة الشَّرعية: أن ما كان طريقًا يوصل إلى محرم فهو محرم[7]، والنَّبي عليه الصلاة والسلام لعن في الخمر عشرة[8].
مع أن الشارب واحد، ولعن الربا[9]، آكلها، وموكلها ومع أن الذي يؤكله واحد.هذا ما يدل على أن كل طريق وذريعة يقينية، لا ذريعة متوهمة، ولا ذريعة بعيدة، إما أن تكون ذريعة مفضية إلى الفساد مباشرة فلا شك فيها أو تكون مفضية بالتسبب بمعنى أنها قريبة فهي أيضا محرمة، أما الذريعة البعيدة والمتوهمة هذه يتفق عليها العلماء أنها لا تمنع ولو أنها مما يؤدي إلى محرم لكنه في الحال يبعد أن تكون هذه الذريعة إلى الحرام.
[1] -[المائدة/2]
[2] - أخرجه أحمد (12029) وأبو داود (1134)، والنسائي في الصغرى (1556)، وفي "الكبرى" (1767).
[3] -[المائدة/51]
[4] - أخرجه أحمد (5114) و(5115) و(5667) ، وأبو داود رقم (4031) وهو جزء من حديث طويل، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما..
[5] - البخاري (4356) ومسلم (2669).
([6] ) أخرجه أحمد: (20758) و(23124) بلفظ (إنك لن تدع شيئا اتقاء الله جل وعز ألا أعطاك خيرا منه). وكذلك البيهقي في سننه الكبرى: (10603).
([7] ) الفروق 2/61 ، 4/260 ، والمعيار المعرب للونشريسي 7/283، ووردت بلفظ : " وسيلة الحرام حرام " 5/26 ، وبلفظ : وسائل الحرام حرام " في كشاف القناع للبهوتي 3/284 .
([8] ) عن ابْنَ عُمَرَ ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ ، وَشَارِبَهَا ، وَسَاقِيَهَا ، وَبَائِعَهَا ، وَمُبْتَاعَهَا ، وَعَاصِرَهَا ، وَمُعْتَصِرَهَا ، وَحَامِلَهَا ، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ " . أخرجه أحمد (4787)، (5290)،
وأبو داود ( 3674) . وابن ماجه (3380)، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
([9] ) أخرجه مسلم في صحيحه (1598) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء».