يقول السائل : لماذا لا نلمس الطاعة البدنية للحج؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
من كان يمكنه أن يصل إلى مكة بغير شدٍ ولا ربط في سيارة أو في طائرة ونحوهما، فمن كان يمكنه أن يصل إلى مكة ولا ضرر عليه، يعني مثل إنسان هو في بلده مستطيع لكن يقول أنا لا أستطيع أن أركب السيارة لأنه لو ركب السيارة يصيبه القيء أو الضعف الشديد لضعفه أو مرضه، أو كبير السن لا أتحمل البقاء في الطائرة، لا أتحمل البقاء في السيارة، لا أتحمل البقاء بالباخرة، فهذا إذا كان على هذه الصفة فإن كان عنده مال يمكن أن يوصله إلى مكة ويرجع زائد عن نفقته هو ونفقة من معه، وجب عليه الحج في ماله، هذا قول جماهير العلماء، يجب عليه الحج في ماله.وإن كان ليس مستطيعاً بماله فهذا لا حج عليه عند الجميع، أما إذا كان مستطيعاً ببدنه لكن ليس عنده مال، فالجمهور أنه لا حج عليه، لقول الله عزَّ وجلَّ: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران:97]، وفسر النبي عليه الصلاة والسلام الاستطاعة بالزاد والراحلة في أحاديث كثيرة اختلف العلماء في صحتها، لكن أخذ العلماء هذا من قوله سبحانه{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران:97].وقالوا النص على الاستطاعة يدل على أنها استطاعة خاصة، وليست مطلق المكنة، لأنه لو كانت الاستطاعة مطلق المكنة، والاستطاعة العامة لم يُنص عليها، لأن سائر الواجبات الشرعية لا تجب إلا مع الاستطاعة، النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صل قائماً فإن لم تستطع فصلي قاعداً، فإن لم تستطع فصلي على جنب))()، فلما نص على الاستطاعة في الحج، دلَّ على أنها استطاعة خاصة وما هي إلا المال، ولهذا قالوا أن الأحاديث الواردة في هذا الباب هي مبينة للمعنى التي دلت عليه الآية، وليست زائدةً لحكمٍ جديد، لأنه قال: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران:97]، وإلا لما كانت كل الواجبات الشرعية كلها بالاستطاعة، فلما نص على الاستطاعة دل على أنها استطاعة خاصة، خلافاً لمالك رحمه الله الذي يقول: «إن من استطاع الحج ببدنه وإن لم يكن عنده مال وأمكنه الوصول ولا مرض عليه وجب الحج»().
والأظهر والله أعلم هو التوثق في هذا، وهو قولٌ لجمع من أهل العلم، وهو أن من كان مستطيعاً الحج، فإن كان بعيداً فلابد من المال، وإن كان قريباً من مكة وليس عنده مال إلا المال الذي ينفقه على نفسه، لكن هو يقول إن نفقتي في الحج هي نفقتي المعتادة لأنني أنا قريب من مكة ولا أحتاج إلى نفقة زائدة، لا أحتاج إلى نفقات مركوب، شراء مركوب، أو استئجار مركوب، ويمكن لي أن أسير من مشعر إلى مشعر، في هذه الحالة نقول يجب عليه إذا أمكن ذلك، وإن لم يمكن ذلك مثل أن يكون الإنسان حتى لو كان في مكة، لأن التنقل في مكة من مشعر إلى مشعر فيه ضرر خاصة مع كثرة السيارات والحجيج والمخاطر، ويحتاج إلى أجرة لكي ينتقل من مشعر إلى مشعر ففي هذه الحالة لابد أن يكون عنده مال يمكن أن ينتقل به من مشعر إلى مشعر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أخرجه أبو داود (952) ، وابن ماجه (1223) ، والترمذي (372) ، وأحمد (19819) والبزار في "مسنده" (3515) ، وابن الجارود في "المنتقى" (231) ، وابن خزيمة (979) .