يقول السائل : ما حكم من حج وأراد الحج لنفسه مرة أخرى ولكن وكله أحدهم؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
لا بأس إن كنت حججت عن نفسك فوكلك غيرك أن تحج عنه فهذا ينظر، الأول أن الإنسان أن يستكثر خاصةً إذا كانوا أمواتاً، إذا كان من تحج عنه ميت، فالميت أنت قائماً بعمله وحقه عليك الدعاء، فإن مات غير مفرط فالحمد لله، لا شيء عليه، وإن مات مفرطاً فأمره إلى الله.أما إذا كان حياً وهو غير قادر ببدنه ولديه مال فوكلك، هذا آكد في حقك الحين، فالأولى أن تحج عن نفسك، ابدأ بنفسك أولاً، لا في الدعاء ولا في الحج، فالنبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدأ بنفسه، فهكذا في الدعاء، فكيف بمن يأتي بمسافاتٍ بعيدة قاصد إلى مكة، فالأولى أن يكون حجه عن نفسه، لكن حينما يلح عليك غيرك بالحج عن موكله، لو وكله إنسان ومات، أو طلب منك ذلك، واستجبت له لا رغبةً في المال، ولا إيثاراً للدنيا، لكن إيثاراً لمحبوب أخيك المسلم، وإيثاراً لسروره على سرورك، ومحبةً في تلبية طلبه، أردت ذلك وآثرته على نفسك فكان هذا قصدك وإرادتك، لم ترد أن تحج عن غيرك زهداً في الحج ورغبةً في الدنيا ورغبةً في متاعها، إنما قصدك أن تلبي طلب أخيك وإدخال السرور عليه، فهذا يرجى إن كان الحال كما ذكر، أن يكتب الله لك أجرك بنيتك للحج، ويكتب لأخيك الأجر بحجك عنه، ويكتب لك أجرٌ آخر حيث حججت عن غيرك لأنك
سننت سنةً حسنة،" ومن سن سنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة"(1). هذا يدخل في جميع ما سنه الشارع، وأعظم ما يسنه الشارع هو أركان الإسلام وهذا رواه مسلم، وقال عليه الصلاة والسلام:" من دلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله(2)،فإذا كان هذا مرادك وقصدك، فأنت على خيرٍ عظيم ويرجى لك الأجر بنيتك حيث تريد الحج، لكن الذي منعك منه تلبية طلب أخيك، والنبي عليه الصلاة والسلام في أخبارٍ كثيرة، جاء عنه الحاج الناوي القاصد بالعابد، فكيف إذا كان قد أتى إلى مكة يريد الحج ثم عرض لأحد إخوانه حيث طلب منه ذلك، والإيثار بالقربات مشروع حينما يكون القصد منه المتاجرة مع الله، وهذا تقدم الإشارة إليه، وأن القاعدة التي ذكروها لا إيثار من القرب لا تصح على إطلاقها بل لا بأس أن تؤثر بالقربة ما دام ليس زهداً فيها، بل محبةً لأن تلبي طلب أخيك، وهذا مما يزيد الرابطة الإيمانية بين الأخوين، فإذا كان على هذا الوصف، فهذا من الأمر المشروع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُلُوسًا فِي صَدْرِ النَّهَارِ فَجَاءَ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ عَلَيْهِمُ الْعَبَاءُ أَوْ قَالَ: مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ؛ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ فَخَطَبَ فَقَالَ: " {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي [ص:56] خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ثُمَّ قَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: 18] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ " حَتَّى قَالَ: «وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» قَالَ: فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ قَدْ كَادَتْ كَفُّهُ أَنْ تَعْجِزَ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ عَنْهَا فَدَفَعَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَتَابَعَ النَّاسُ فِي الصَّدَقَاتِ فَرَأَيْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ وَجَعَلَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ وَقَالَ: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مِنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا» أخرجه مسلم (1893).
(2) أخرجه مسلم (1017).