يقول السائل : ما حكم اختلاط الرجال بالنساء في الطواف؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
لا يجوز للنساء أن يختلطن بالرجال هذا هو الأصل، والنبي عليه الصلاة والسلام قال لأم سلمة: ((طوفي من وراء الناس وأنت راكبة))(1) يعني إذا كانت راكبة على مركوبها أُمرت أن تطوف من وراء الناس وهي لن تختلط في الحقيقة، إذا كانت على بعير لن تخالط الرجال ولن تزاحم الرجال في الغالب، لأنها على بعير ويبعد أن يمسها رجل ومع ذلك أُمرت أن تطوف من وراء الناس وهي على بعير، فكيف إذا كانت تطوف على قدميها أليس الأمر بأن تجتنب الرجال من باب أولى؟ هو كذلك يجب عليها، يعني مثل ما أن المرأة لو كانت في مركوبها الأولى ألا تخالط الرجال وألا تمر بالرجال، الصحابيات رضي الله عنهن كن على الرواحل وكن في طريق مستقل لا يخالطن الرجال، يعني طريق خاص للرجال وطريق خاص للنساء، وأين اليوم الطرقات الخاصة للرجال والطرقات الخاصة للنساء؟ يعني هم في سفر وفي برية ومع ذلك النساء والرواحل كانت هي المركوب ومع ذلك مع الحشمة والتستر العظيم المعروف به النساء كان سيرهن على تلك الرواحل وهي بمثابة اليوم المراكب، كن في مكان وطريق مستقل لا يخالطن الرجال، ومع ما عُلم من حاجة المرأة أحياناً لبعض الأمور، هذه امرأة زوجها موجود وهذه امرأة أخوها موجود وهذه امرأة ابنها موجود ومعلوم أنها ربما تحتاج إلى شيء من الأمور، ومعلوم أن الرجل ربما يحتاج إلى بعض الأمور، ومع ذلك لم يُنظر إلى هذه المصالح بل عُزل النساء وحدهن عن محارمهن ولم يكونوا معهن في الطريق، لأجل ألا يخالطوا الرجال وهن على رواحلهن فكذلك في حال الطواف الواجب هو كذلك، وعائشة رضي الله عنها لما قالت لها جاريتها: يا أم المؤمنين إني طفت بالبيت وقبلت الحجر، قالت: "لا أَجَرَكِ اللَّهُ"(2)، تريد أن تخبرها أنها طافت وقبلت وكأنها تقول يعني التقبيل لم كن إلا مع المزاحمة وأنها تمكنت من المزاحمة والتقبيل، قالت: "لا أَجَرَكِ اللَّهُ،تُخالطين الرِّجَالَ؟" دعت عليها أن الله سبحانه وتعالى لا يأجرها، وهذا يبين الشدة في مثل هذا، وكذلك عمل بعض أهل العلم والولاة في زمن فصلوا النساء والرجال، وقالت عائشة كما في البخاري: "كان النساء يطفن حجرة عن الرجال"(3) حجرة يعني: في مكان مستقل ومنعزل عن الرجال، حجرة يحتجرن مكان مثل ما يحتجر الإنسان مكان وحده، يعني كن يطفن وحدهن ويحتجرن وهذا المكان لا يأتي إليه الرجال، هذا هو الواجب ولا يجوز أصل الاختلاط بين النساء والرجال أصل كل بلية. يقول عليه الصلاة والسلام: ((مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ)) (4)فهي ضرر عليه وضرر عليها اختلاط الرجال بالنساء، بل قال عليه الصلاة والسلام: ((ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)) (5) ما رأيك بقوم الشيطان ثالثهما؟ فيكون منتهى أمرهم إلى الفساد والشر، فكيف إذا كان ذلك مع عدم الحشمة، يعني الرسول عليه الصلاة والسلام يقول ذلك: ((ماخلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)) يعني وأطلق ولو كانت المرأة متحشمة متسترة غير متطيبة مهما كانت، مجرد الخلوة مهما عملت المرأة من الاحتياط فالشيطان هو الثالث. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) (6) ثم قال عند أبي داود بإسناد جيد: ((وليخرجن تفلات)) (7) تفلة يعني ليس لها رائحة طيبة، مع أن المساجد يُشرع التطيب لها لكن منعت النساء وتُركت هذه المصلحة الشرعية لمفسدة، وتقدم أنه لما كانت هذه المفسدة مأمونة في الحج بابتعاد النساء عن الرجال والطيب له رائحة قوية وخاصة في البرية، فهذا يبين أن نساء الصحابة رضي الله عنهن كن بعيدات عن الرجال بحيث لا تصل الرائحة للرجال، ولهذا إذا خرجت المرأة متطيبة وكانت الرائحة تصل للرجال لا يجوز، لا يجوز إلا إذا كانت تخرج من بيتها إلى مكان آخر كسيارة فيها النساء أو بعض محارمها ثم بعد ذلك تصل إلى مجمع النساء ولا تمر بالرجال، أما أن تخرج من بيتها فتمر بالرجال فقد وردت أحاديث فيها تشديد عظيم رواها أبو داود وغيره في تطيب المرأة وخروجها(8).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري (464) و (1619) ، ومسلم (1276) ،
(2) أخرجه الشافعي (955) والبيهقي في السنن الكبرى (92) ، و في معرفة السنن (9870) ،
(3) أخرجه البخاري (1618).
(4) أخرجه البخاري (5096) ، ومسلم (2740) ،
(5) أخرجه أحمد 1/18، والترمذي 2165 ، والحاكم 1/114 وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(6) أخرجه البخاري (900) ، ومسلم (442) (136).
(7) أخرجه أبو داود (565)
(8) أخرجه أبو داود (4173) والترمذي (2786) النسائي في "المجتبى" 8/153، وابن خزيمة (1681) ، وابن حبان (4424). ولفظُ الترمذي: "والمرأةُ إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا" يعني زانية. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.