• تاريخ النشر : 04/01/2017
  • 893
مصدر الفتوى :
فتاوى المسجد الحرام - رمضان 1436
السؤال :

يقول السائل : ما هو القول الراجح في تكرار العمرة لمن جاء لمكة من غير هذا البلد؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ; القول الأظهر في مسألة تكرار العمرة فيما يبدو والله أعلم هو ما قاله شيخ الإسلام –رحمه الله- وهو أن تكرار العمرة موضع نظر، وإن كان السائل حين يسأل يجاب بقول الجمهور فلا حرج على الإنسان، الإنسان قد يرى قول مرجوح لكن السائل يسأله عن حكم أهل العلم في هذه المسألة، وهو يعمل بقول بعض أهل العلم، فأنت ربما لو أفتيته بالقول الذي تعتبره ربما قد يشق عليه، وقد يكون مثلًا بعض الناس أتى من بلاد بعيدة، ويكون أوصاه والداه مثلًا أو إخوانه فيحتاج إلى أن ينفذ هذه الوصية، الحاجة لا بأس أن تفتيه بالقول الثاني وإن كان مرجوح عندك من جهة أن هذا له قائله وله دليله، ومن جهة أيضًا أن فتوى بالأمر الثاني عليه فيه مشقة، فلا بأس أن توسع له وأن تفسح له في هذا، وأهل العلم يراعون في مثل هذه المسائل مسائل خلاف، حتى يحصل ائتلاف النفوس، وتوافقها وعدم الاختلاف فلهذا لا بأس أن يقال: أن تأخذ عمرةً من التنعيم ولو تكررت، لكن القول الأظهر هو هديه –عليه الصلاة والسلام- فهو لم ينقل عنه أنه كان يأخذ عمرةً من التنعيم، ومكث في الأبطح أربعة أيام وكانت مكة قريبًا منه، والحرم قريب، وأصحابه كذلك، ومعلوم أن أهل أبطح كانوا يأتون إلى مكة ويدخلون وهم كثيرون مع النبي ولم ينقل عنه أنه صلوات الله عليه كان يأخذ عمرةً من التنعيم ، وعدم النقل هذا في الشيء الذي من شأنه أن ينقل حجة، خاصة أننا نعلم أنه نقل عمرة عائشة –رضي الله عنه- وهي عمرة واحدة، فكيف لا ينقل عن الصحابة أنه سألوا عن ذلك، بل علموا من هديه أن السنة والأولى خلاف ذلك، وعائشة لم تسأله مطلقًا، فلما حصل ما حصل؛ لأنها قدمت محرمةً بعمرة متمتعة فنزل بها حيضها قبل أن تأخذ عمرتها –رضي الله عنها- فبكت وقال يعني طيب نفسها –عليه الصلاة والسلام- وقال: «إن هذا أمرٌ كتبه الله على بنات آدم، فاصنعي ما صنعت غير ألا تطوفي حتى تطهري»(1) ثم سألته وطلب منه قال: أرى صواحبي يرجعن بحجٍ وعمرة، فالنبي –عليه الصلاة والسلام- بعد ذلك لما رأى غبط بذلك أجاب، وكان يعني هينًا لينًا، وكان إذا هوت أمرًا يعني جاوبها إليه، ووافقها عليه، إنما من أراد أن يأخذ على هذا القول، فلا بأس وهذا مثل ما تقدم في المسائل التي يقع فيها خلاف، وإن كان هذا القول مرجوح عند المسئول لا بأس أن تفتيه بالقول الثاني، ولهذا لو أن الإنسان وقع في أمر شديد وجاء يستفتيك مثلًا في مسألة يترتب عليها مثلًا فرقة، مثلًا طلاق الحائض جمهور العلماء يقولون: بأنه واقع، الأئمة الأربعة، ومن أهل العلم من يقول: إنه غير واقع، والذين يقولون غير واقع دليلهم قوي واختاره البخاري –رحمه الله- والذين يقولون: غير واقع لهم أدلة، فإن كان إنسان يفتي مثلًا بوقوع طلاق الحائض، وسألك إنسان عنه، وعلمت أن هذا القول عليه شديد وإنه وقع منه يعني في حالة ندم ولم يكن الحالة غضب شديد يغضبه صوابه، لكن حصل منه ما حصل في هذه الحالة، فلا بأس أن تحيله على غيرك ممن يفتي بعدم وقوعه، لا بأس من باب تيسير الأمر، ومن باب أيضًا النظر في الخلاف، وأن الخلاف أيضًا في هذه المسألة يكون رحمة، الخلاف قد يكون رحمة، قول بعضهم أن الخلاف رحمة، هذا ليس على الإطلاق لكن نقول: قد يكون الخلاف رحمة، ما نقول: الخلاف بأن أل هنا للجنس بأن جنس الخلاف رحمة، لا، نقول: قد التي للتقليل وبهذا نحترز من الإطلاق في قولنا الخلاف رحمة، الخلاف عذاب إنما إذا قلنا: قد يكون رحمة احترزنا، ولم نطلق هذا، وتكون الكلمة لا بأس بها من جهة أن يكون رحمةً ببعض الناس دون بعض الناس، ولهذا لما كان عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد يختلفان في مسائل فعند ذلك كان القاسم –رحمه الله- يشتد عليه فكان مع الذي يود من قول الصحابة، وكان القاسم يورد من قول الصحابة، فاشتد ذلك على القاسم، وقال: ما معناه يعني شعر أنه شد، أنني أنا أورد من كلامه وأن تورد من كلامهم، شق عليه اختيار صعب عمر –رضي الله عنه- والله ما يسرني أنهم لم يختلفوا؛ لأنهم إذا أجمعوا لم يكن لأحدٍ أن يأخذ عليهم، وإذا اختلفوا كان له بـأن يأخذ بهذا وهذا، يعني مسائل اجتهادية التي ليس فيها نص ودليل بين، كذلك المسائل التي فيها خلاف قوي ليس مسألة تشهي، تتبع الرخص لا، إنما في أحوال خاصة حال الضرورة، حال الشدة فلا بأس أن توسع لأخيك، ولا تحمله على الأمر الشديد، فإما أن ترشده إلى من يفتي بهذا القول، وإن لم تجد من يفتيه ما في مانع أن تقول له: لك أن تعمل بقول فلان، وأن تخبره بأن قول فلان من أهل العلم يفتي بهذا وأنت كل شيء تعمل به فلا بأس وأنا أفتي بهذا، وأخبرك عن قولك وأنك لو سألته أفتى بهذا، فكأنه ينقل له فتوى هذا العالم لكنه لم يتمكن من الاتصال به وأخذ قوله فهذا مسلك حسن فلهذا يكون قبل الوقوع، عليك أن تعمل، يعني قبل وقوع الواقعة لها حكم، وبعد وقوعها لها حكم، ولهذا لو أن إنسان وطأ امرأة بغير نكاح يظنها زوجته، أو وطأ مثلًا بغير ولي، تزوج بغير ولي، معه أنه باطل ولا يجوز النكاح بغير ولي، لكن بعد، لكن نكح بغير ولي، وله الحكم قبل أن يقع النكاح بغير ولي، قبل أن يقع النكاح وله حكمٌ بعد وقوع النكاح بغير ولي، ولهذا العلماء مجمعون على أنه إذا أنه بعدما يقع النكاح ويوجد أولاد فإنهم أولاده؛ لأنه مبني على اعتقاده، والنبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «الولد للفراش» هذه مسألة أخرى، وهذه المسائل ينبغي أن تراعى في مثل هذا، فأقول مثل هذه المسألة كما تقدم وهو أنه لا بأس أن يفتى لمن اشتد عليه الأمر، أو لقولٍ ترى أنه قولًا مرجوحًا، وأن من يسألك في تيسيرٌ له، أسأله –سبحانه وتعالى- لي ولكم التوفيق والسداد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرجه البخاري (294) ومسلم (1211).
(1) عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلَامٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ ابْنُ أَخِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ، انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللهِ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَبَهِهِ، فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ»، أخرجه البخاري (2053) ومسلم (1457).


التعليقات