يقول السائل : الدعاء عند الملتزم من السُنة فهل ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه ألصق البطن والصدر بالملتزم ؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
الملتزم فيه خلاف،وظاهر كلام أهل العلم أن الملتزم ما بين الحجر الأسود إلى الباب، وهذا المسافة إلي نحو تقريبًا ثلاث أمتار أو مترين إلى ما بين الحجر الأسود والباب هذا هو الملتزم، وهذا جاء عن بعض الصحابة. والأخبار عن النبي عليه الصلاة والسلام فيها نظر، ثبت عن ابن عمر وابن عباس عند ابن أبي شيبة،(1) وابن عمر عن عبد الله بن عباس، وعن عبد الله بن عمرو أن مجاهد رحمه الله قال: "رأيتهم يدعون في الملتزم"،(2) وثبوتها عن الصحابة يدل أن له أصلًا. وجاء فيه حديثان: حديث عبد الرحمن بن صفوان،(3).
وحديث عبد الله بن عمرو(4) عند أبي داود بسندين فيهم ضعف لكن يقوي أحدهما الآخر، قال عبد الرحمن بن صفوان: "من خرج يوم الفتح رضي الله عنه قال: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد ألصقوا ظهورهم وبطونهم ما بين الركن إلى الحديد، وكذلك أيضًا عبد الله بن عمرو أنه قال له ابنه شعيب أو ابن ابنه ألا تتعوذ؟ قال: "أعوذ بالله من النار" فلما جاء دبر الكعبة وأقبل إلى الحجر الأسود أخبر أنه -عليه الصلاة والسلام- ألصق ببطنه وصدر في هذا المكان فأخذ العلماء بهذا الحديثين وبمشروعية هذا الفعل لكن ليس بالسنة بيان متى يفعل هذا. الفقهاء يقولون: أنه يفعل عند الوداع؛ يعني حينما توادع تريد تدخل مكة تفعله لكن لا دليل على هذا إنما الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله حتى في غير نسك في فتح مكة وهو لا علاقة له بالنسك إذا فعلها الإنسان في أي وقت سواءٌ كان في نسك أو في غير نسك، سواءٌ كان أول ما وصل مكة أو عند الوداع أو في أثناء ذلك كله لا بأس.
والمقصود: أنه يأتي لهذا المكان، وأنه يرجى أن يجاب العمل هذا من المواضع التي يرجى فيها الإجابة مثل ما يرجو الإنسان الإجابة في بعض الأزمان، وكذلك في بعض الأمكنة حينما يكون في بيت الله سبحانه وتعالى، ويكون في المسجد بين الأذان والإقامة لا شك أنه موضعٌ مكانٌ وزمانٌ يرجى فيه الإجابة، وإن كان الزمان أوسع سواءٌ كنت في المسجد أو غير المسجد فهو مكان لمن كان في المسجد أو خارج المسجد بين الأذان والإقامة هذا الذي ورد.جاء حديث أجود من هذه الأخبار أن النبي صنعه -عليه الصلاة والسلام داخل الكعبة من حديث أسامة بن زيد(5) لما دخل عام الفتح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث عند أحمد لما دخل الكعبة بعدما صلى ركعتين عَمد إلى أركان الكعبة فألصق عليه الصلاة والسلام صدره في أركانها هذا جاء وهذا فعل صنعه عليه الصلاة والسلام داخل أركان الكعبة. ربما يقول قائل: أن هذا لا فرق بين داخل الكعبة وخارج الكعبة، وأن يفعل في هذا لكن هذا فيه نظر؛ لأن هذا الباب باب التوقيف، والنبي لم يصنعه -عليه الصلاة والإسلام- خارج الكعبة إنما في جميع أركانه إنما نقبل عنه وعن أصحابه في هذا الموضع. ومعلوم الأدلة في هذا لما استلم معاوية رضي الله عنه الأركان كلها فقال ابن عباس: إنه لا يستلم إلا هذان الركنان وهم الحجر الأسود والركن اليماني.قال معاوية: اجتهاد ليس شيءٌ من البيت مهجورًا(6). فقال له ابن عباس :﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب:21]، الرسول عليه الصلاة والسلام ما فعل هذا هل الذي تفعله هل هو خير؟ لو كان خيرًا لسبق إليه عليه الصلاة والسلام ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب:21]، وقال عمر رضي الله عنه وهو الخليفة كما في الصحيحين(7): إني لأعلم يسمع الناس "إني لأعلم أنك حجرٌ لا تضر ولا تنفع، ولولي أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك". هذا هو العمل الإتباع تُقبل ما قبله النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس شيءٌ في الدنيا يقبل تعبدًا إلا الحجر أما التقبيل الآخر.
ربما من باب الرحمة مثل ما يقبل الرجل ولده أو ما بين الناس هذا يكون التعبد منه على سبيل الوسيلة لهذا الشيء؛ لأن الله أمر مثلًا بالبر والإحسان والصلة ونحو ذلك لكن للتعبد؛ ولهذا لا يشرع تقبيل المصحف، وإن كان روي عن عكرمة بن أبي جهل أنه كان يرفع المصحف فيقبله ويقول: "كتاب ربي كتاب ربي" عند الدارمي فالإسناد عنه منقطع -رحمه الله- فلا يثبت(8)؛ ولهذا لا يمسح شيء لا حجر ولا شيء لا نمسح إلا ما مسح النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نقبل إلا ما قبل النبي -عليه الصلاة والسلام-. هل هناك شيء يقبل هل تستخدم شيء يقبل جاء في السنة؟ ذكرت تقبيل الوالدين، ومن رجل لأولاده هذا تقبيلٌ رحمه لنعلم أن المحبة محبة طبيعية ومحبة شرعية تنقسم المحبة، ومحبة مؤانسة ومشاكله قد تحب محبة مؤانسة ومشاكله مثل ما يحب الإنسان أصحابه وزملائه قد تكون المحبة محبة طبيعية محبة الإنسان لأهله وأولاده، ومحبة الشرعية محبة الإنسان لربه سبحانه وتعالى، ولنبيه عليه الصلاة والسلام فنحب ما أحب الله سبحانه وتعالى ورسول عليه الصلاة والسلام. وكذلك في حديث أبي الطفيل أنه قال أن النبي -عليه الصلاة والسلام- في صحيح مسلم أنه تناول الحجر بمحجن فقبل المحجن.(9) وهي العصا المحنية، وعند مسلم عن ابن عمر أنه مسح الحجر بيده ثم قبل يده ثم قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ما أصنع"(10) ثبت أيضًا عن جمعٍ من الصحابة أبي سعيد الخدري وأبي هريرة وجماعة أنهم قبلوا أيديهم بعد ما مسحوا الحجر؛ ولهذا لو مررت به ما نقول: تشير بيدك وتقبل تكبر هل تشير أو لا تشير؟ موضع نظر إذا لم تمس الحجر هل تشير التقبيل مشروع لكن الإشارة هل يشرع أن تشير أو لا؟ موضع خلاف إذا أشار لا بأس كما يقول الجمهور، وجاء في رواية أنه كلما مر بالحجر أشار إليه لكن هذه الروية عند البخاري مقيدة في نفس الحديث(11) وبنفس المقام أشار بشيءٍ عنده يعني أشار بشيء وهو مناولته ومسه الحجر عليه الصلاة والسلام ثم يقبل ما مس به الحجر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواها ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 3 / 236 ).
(2) " مصنف ابن أبي شيبة " ( 3 / 236 ،237 ، 238 (.
(3) عن عبد الرحمن بن صفوان قال : لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قلت : لألبسن ثيابي ، وكانت داري على الطريق فلأنظرن كيف يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من الكعبة هو وأصحابه وقد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم وقد وضعوا خدودهم على البيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطهم .أخرجه أبو داود (1898) وأحمد (15124) والبيهقي (5/92). وفيه : يزيد بن أبي زياد ، ضعَّفه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم .انظر "الجرح والتعديل" (9/265(.
(4) حديث عبد الله بن عمرو :
عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال : طفت مع عبد الله فلما جئنا دبر الكعبة قلت : ألا تتعوذ ؟ قال : نعوذ بالله من النار ، ثم مضى حتى استلم الحجر ، وأقام بين الركن والباب ، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما بسطا ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله .أخرجه أبو داود (1899) وابن ماجه (2962) والبيهقي (5/93( . وفيه: المثنى بن الصباح، ضعَّفه الإمام أحمد وابن معين الترمذي والنسائي وغيرهم. انظر "تهذيب الكمال" (27/203). قلت : والحديثان يشهد كلٌّ منهما للآخر.وقد صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2138 ).
(5) وعن أسامة بن زيد: أنه دخل هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فأمر بلالا فأجاف الباب والبيت إذ ذاك على ستة أعمدة فمضى حتى أتى الاسطوانتين اللتين تليان الباب باب الكعبة والحاصل فحمد الله وأثنى عليه وسأله واستغفره ثم قام حتى أتى ما استقبل من دبر الكعبة فوضع وجهه وجسده على الكعبة فحمد الله وأثنى عليه وسأله واستغفره ثم انصرف حتى أتى كل ركن من أركان البيت فاستقبله بالتكبير والتهليل والتسبيح والثناء على الله عز وجل والاستغفار والمسألة ثم خرج فصلى ركعتين خارجا من البيت مستقبل وجه الكعبة ثم انصرف فقال هذه القبلة هذه القبلة
أخرجه أحمد ( 36 / 147 ) ، والنسائي ( 2915 ) وصححه ابن خزيمة ( 3004 ) .
(6) أخرجه البخاري (1608) وأخرجه مختصرا مسلم (247) (1269). واللفظ لأحمد (1877).
(7).أخرجه البخاري (1605) ومسلم (250) (1270).
(8) أخرجه الدارمي ( 3393 ) ، والبيهقي في شعب الإيمان ( 2037 ) إسناده منقطع ابن أبي ملكية لم يدرك عكرمة وهو موقوف أيضا على عكرمة رضي الله عنه.
(9) عن أَبَي الطُّفَيْلِ، يَقُولُ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ" , أخرجه مسلم (257) (1275). وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ»، أخرجه البخاري (1607) ومسلم (253) (1272).
(10) عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: " رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ، وَقَالَ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ " . أخرجه مسلم (246)( 1268 ).
(11) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ» , أخرجه البخاري (1612) . وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ»، تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ , أخرجه البخاري (1613). وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ، وَكَبَّرَ» , أخرجه البخاري (1632). وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَكَانَ كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ، أَشَارَ إِلَيْهِ وَكَبَّرَ» , أخرجه البخاري (5293).