يسأل عن العمرة المكية يقول: بعض الناس يحتج بحديث عن عائشة؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
لا شك أنه دليل الجمهور، ويكون حديث عائشة، دليل على مشروعية العمرة، والنبي –عليه الصلاة والسلام-أمرها أن تعتمر من التنعيم،(1) ولم يقل لها أن هذا خاصٌ بك، والأصل العموم، وليس خاصًا بعائشة، والنبي الصلاة والسلام قال:«لأن الجذعة هذه لن تجزئ عن أحد بعدك»(2)، فكان إذا خص أحدًا بحكم، قال: هذا خاصٌ بك وبيَّن، فلما سكت عن عائشة ولم يقل إنه خاصٌ بك، أو ما يوضح ذلك.
نقول: وإن لم يقل لكن السياق يدل على الخصوص، فالسياق يدل على خصوصها وخصوص من أشبهت حالته حالتها؛
لا يشترط في التخصيص أن يأتي نصًا يقول: هذا خاص بك لا، فالتخصيص يأتي من السياق نفسه ما يسبقه، وما يلحقه.
فالحديث من تتبع الروايات النبي –عليه الصلاة والسلام- "لم يجبها أول الأمر حتى ألحت عليه، وقالت: «يرجع صواحبي بحجٍ وعمرة»، بل وظنت أنها ليس لها عمرة فقال عليه الصلاة والسلام: «تجزئك طوافك بالبيت، وسعيك بين الصفا والمروة، يجزئك عن حجك، وعمرتك»، قال لها ذلك قبل أن يجيبها، فلما ألحت عليه رضي الله عنها ، وطلبت منه ذلك، أمر عبد الرحمن أن يأخذها للتنعيم(3)، ولذا أخوها عبد الرحمن أحقبها على الحقيبة كما في الصحيحين، -يعني أردفها على الحقيبة على الراحلة-، وذهب معها، وطاف معها، وسعى معها. (4).
هل أمره النبي أن يأخذ عمره؟ ما أخذ عمرة هو معها، ولم يأمر أحدًا من أصحابه بذلك، والنبي- عليه الصلاة والسلام- كان طريقه قريب. قالت: كما في الصحيح «فلقيته يعني ليلة الرابع عشر بيوم الثالث عشر من ذي الحجة، فلقيته وأنا مصعدةٌ وهو منهبطٌ، أو هو منهبط وأنا مصعدة»(5) فعبد الرحمن لم يأمره عليه الصلاة والسلام بذلك، وهذا كله يدل على أنه خاصٌ بمن كانت حالتها حالة عائشة.عندنا حديث: «ليس من البر الصوم في السفر»(6) الصوم في السفر هل فيه بر، أو ليس فيه بر؟ إنسان صام في السفر. هل نقول ليس من البر الصيام في السفر؟ نعم، الرسول يقول «ليس من البر الصوم في السفر»، وجاءنا إنسان يقول أنا صائم. هل نقول له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس من البر الصوم في السفر»؟؟ لكن الحديث اقترنت به قرائن تدل على أنه ليس عامًا، وليس مطلقًا في الحديث أنه –عليه الصلاة والسلام- جاء وقد رأى رجلًا اجتمعوا الناس عليه، وقد أظلوا عليه من الشمس، سقط من شدة الصوم سأل النبي –عليه الصلاة والسلام-: «ما شأنه؟» قالوا: صائم فلما رأى ما بلغ به الحال هذا «ليس من البر الصوم في السفر»، يعني من كانت حالته مثل حالة هذا الرجل. نقول: «ليس من البر الصوم في السفر» كمثل ما نقول: من كانت حالته مثل حالة عائشة، فلا بأس.ومن كانت حالته مثل هذا الرجل نقول «ليس من البر الصوم في السفر»، أما الصوم في السفر، فالنبي –عليه الصلاة والسلام- صام بأسفاره وأفطر، وصام أصحابه.بل في الصحيحين عن أبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه يقول: «كنا مع رسول الله في سفر في شدة حرٍ، وأعظمنا ظلًا صاحب الكساء، وإن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائمٌ إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعبد الله بن رواحه»(7).
وفي الصحيحين، أيضًا عن أنس أنه عليه الصلاة والسلام كان في سفر، وكان بعضهم صائمين، فسقط الصوام، أما المفطرون، فحلوا الركاب، وسقوا الإبل، وجلبوا الماء، وعملوا. ماذا قال –عليه الصلاة والسلام- في هذا؟« ذهب المفطرون اليوم بالأجر»(8).وفي سنن النسائي بسندٍ صحيح، أنه عليه الصلاة والسلام قال: «اسقيا صاحبيكما، أطعما صاحبيكما»(9) إشارة إلى أنه حينما يضعف حال الصائم، يحتاج إلى من يخدمه، فالسنة أن يخدم المرء إخوانه، فهذه الأخبار لا تقطع من سياقها، لا تؤخذ من سياقها، هذا مثل ما يستدل الإنسان بأدلة، أو شيء يأخذه وحده، ولا يذكر السياق .
كما يقولوا: العلماء ولا اللحاء، لا فعليك أن تذكر السابق واللاحق، فهذا هو الذي يبين الدليل وهذا أيضًا مثل حديث عائشة، ولهذا نحن لا نقول أنه خاص، ومن كانت حالته مثل حالة عائشة، بدلالة السياق مثل ما تقدم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أخرجه البخاري (1692) ومسلم (1212): كلاهما عن عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُرْدِفَ عَائِشَةَ، فَيُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ ".
(2)أخرج البخاري (5556) ومسلم (1961) عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : ضَحَّى خَالٌ لِي يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلاةِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ ) . فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ عِنْدِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنْ الْمَعَزِ . وفي رواية : (عَنَاقاً جَذَعَةً ) . وفي رواية للبخاري ( 5563) ( فَإِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّتَيْنِ آذْبَحُهَا ؟) قَالَ : ( اذْبَحْهَا ، وَلَنْ تَصْلُحَ لِغَيْرِكَ ) وفي رواية : ( لا تُجْزِئ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ ) . ثُمَّ قَالَ : ( مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ .
(3)أخرجه البخاري (294) و (305) و (1650) و (5548) و (5559)، ومسلم (1211).
(4) أخرجه البخاري (1486) ومسلم (128) (1211).
(5) أخرجه البخاري (1486) ومسلم (128) (1211).
(6) أخرجه مسلم (1115)(92).
(7) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَابْنِ رَوَاحَةَ».أخرجه البخاري (1945) ومسلم (108) (1122).
(8)أخرجه البخاري (2890) ومسلم (100) (1119).
(9) لم أقف عليه.