يقول السائل : لي جارٌ في مصر مريض لا يتحرك إلا إذا ساعده آخر، وأيضًا زوجته مريضة تتحرك بصعوبة وأتصل بي من مصر وأنا هنا في مكة، أن أعمل له عمرة، ولزوجته عمرة، ويريد أن يدفع تكاليف العمرة له ولزوجته، فما الحكم ؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
هذا سبق غير مرة أن العمرة المأجورة جوزوها.
أما ما يخص هذا السؤال إذا أردت تأخذ له العمرة، إذا كان عاجزًا كما ذكرت، فلا بأس أن تأخذ عمرة له، ثم عمرة لزوجته مادامت أيضًا عاجزة، فهذا لا بأس به.ومسألة دفع المال هذا راجع إليك، إن هما لم تطب نفوسهم، إلا بأن يدفعوا لك التكاليف التي تتكلف العمرة، فلا بأس أن تأخذها. وإن أردت أن تأخذ العمرة خاصة أنك في مكة، وليس هناك أي تكلفة، ففي هذه الحالة وهذا هو الأول والأكمل، خاصةً ما هناك تكلفة لا، إلا شيء يسير جدًا. أما العمرة تقدم غير مرة، أن هذه العمرة المكية هي موضع خلاف بين العلماء، وإن كانت الجمهور على جوازها؛ إلا أن بعض أهل العلم يرى عدم مشروعية هذه العمرة المكية. وأن هذه العمرة المكية لا تشرع، وقد بسط شيخ الإسلام رحمه الله الكلام فيها، وابن القيم أيضًا في "زاد المعاد"، وشيخ الإسلام في "الفتاوى"، وشدد في إنكار هذه العمرة من مكة يعني (تخرج من مكة إلى الحج). قال: إنها لم تنقل عن أهل مكة، ولا عن غيرها، نقلت ربما عن بعض السلف، إنما المعروف أنه لم ينقل عنهم مثل هذا، ولو كان هذا معروفًا، ولو كثر لعرفه الناس.
والنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يفعل هذا، وقد جاء إلى مكة مرات عدة، جاء -عليه الصلاة والسلام- في غزوة الفتح، ومكث في مكة تسعة عشر يومًا -عليه الصلاة والسلام-، وجاء في أيام الحج، ومكث عشرة أيام، وجلس قريب من مكة أربعة أيام؛ فتح مكة تسعة عشر يوم، ولم يخرج -عليه الصلاة والسلام-، وأصحابه معه، فلم يخرج -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أنه -عليه الصلاة والسلام- أحرص الناس على الخير، وإن كان خيرًا لسبقونا إليه. وكذلك في الحج لما كان في حجة الوداع-عليه الصلاة والسلام-، ومعه عشرات الآلاف من أصحابه، ونزل بأبطح قريب من مكة، وسبق أن ذكرنا هذا غير مرة وأنه -عليه الصلاة والسلام- لم يدخل إلى مكة هذا، وذكرنا أن فيه دليلين.دليل يتعلق بالعمرة، ودليل يتعلق بمضاعفة الصلاة، فهو لم يخرج إلى الحل ليأخذ عمرة، ولم يدخل إلى الحرم ليصلي.
الأمرين جميعًا؛لم يدخل الحرم ليصلي فيه، ولم يخرج إلى خارج الحرم ليعتمر، فهو دليل لهاتين المسألتين، والأدلة كثيرة. ولكن في خصوص هذا الدليل نقول: لو كانت العمرة المكية هذه مشروعة فالحِل من القريب، ومكة من قريبة، فالحرم من قريب، ومكة من قريبه، والحِل ليس من بعيد، فلم يخرج إلى الحِل ليعتمر (ليحرم)، ولم يدخل إلى المسجد ليصلي فيه، فهذا الدليل على أن الصلاة تتضاعف في جميع الحرم، ولهذا اختلفوا العلماء للمكيين. هل تجب أو لا تجب العمرة لأهل مكة؟ وأن كان ظاهر الدليل وجوب العمرة، أنها تجب على قول ما أوجبه الإمام أحمد والشافعي.لكن من أهل العلم من قال: أنها لا تجب حتى عندما أوجبها قال: كما قال ابن عباس ثبت عنه لما سئل عن العمرة لأهل مكة. قال: عمرتكم الطواف بالبيت، لكن من أراد أن يأخذ عمرة؛ لا يُنكر عليه، وجاء في رواية، أو أثر جاء ابن الزبير كان ليعتمر، وجاء عن ابن عباس قال: لا يضركم يا أهل مكة أن لا تعتمروا فإن أبيتم فاجعلوا بينكم وبين الحرم بطن الوادي.(1) إلى غير ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أخرج الدار قطني في سننه (2/284) عن ابن عباس قال: حدثنا أحمد بن محمد الجراح الضراب نبأنا محمد بن سعيد بن غالب أنبأنا محمد بن كثير أنبأنا إسماعيل بن مسلم عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: الحج والعمرة فريضتان على الناس كلهم إلا أهل مكة فإن عمرتهم طوافهم، فإن أبوا فليخرجوا إلى التنعيم ثم يدخلوها محرمين ولله ما دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إلا حاجًّا أو معتمراً.
وهذا الإسناد ضعيف لا يحتج به لأن فيه ثلاثة ضعفاء الأول: أحمد بن محمد الجراح: متهم بالكذب(لسان الميزان1/289).
والثاني: محمد بن كثير الكوفي ضعيف الحديث قال فيه الإمام أحمد خرّقنا حديثه . وقال البخاري عنه: منكر الحديث (لسان الميزان5/351) .
والثالث: إسماعيل بن مسلم : قال فيه الإمام أحمد: منكر الحديث، وقال علي بن المديني: ليس بشيء. (تهذيب الكمال 3/201).
2- أخرج ابن أبي شيبة في المصنف 4/87 قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن كيسان قال سمعت بن عباس يقول :( لا يضركم يا أهل مكة ألا تعتمروا، فإن أردتم فاجعلوا بينكم وبين الحرم بطن الوادي). وإسناده صحيح.
وأخرج أيضا في مصنفه (4/88) قال أنبأنا عبيد الله بن موسى عن عثمان بن الأسود عن عطاء قال : ليس على أهل مكة عمرة إنما يعتمر من زار البيت ليطوف به. وأهل مكة يطوفون متى شاءوا. وهذا الإسناد ضعيف لضعف عبيد الله بن موسى العبسي. قال فيه الإمام أحمد: صاحب تخليط حدث بأحاديث سوء. وقال فيه أبو داود: كان شيعيا محترقا (تهذيب الكمال 19/168) وأخرجه بهذا اللفظ عن ابن إدريس عن ابن جريج.
3- وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (4/88) أيضا : قال أخبرنا يحي بن آدم عن وهيب عن خالد عن عبد الله بن طاووس عن أبيه قال: ليس على أهل مكة عمرة، وهذا الإسناد إلى طاووس بن كيسان: صحيح.
4- وأخرج ابن أبي شيبة (القسم الثاني 4/86) قال حدثنا حفص عن ليث عن طاووس أنه سئل عن العمرة فقال: إذا مضت أيام التشريق فاعتمر متى شئت إلى قابل.
إسناده ضعيف: حفص بن سليمان الأسدي : قال فيه أحمد متروك الحديث، وقال ابن معين: ليس بثقة. (تهذيب الكمال7/10).
ليث بن أبي مسلم: قال فيه ابن معين: ضعيف كثير الاختلاط (الضعفاء الكبير للعقيلي 4/14) و(تهذيب الكمال 24/279).