متى يقطع المحرم التلبية ، أحسن الله إليكم؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
المحرم إما أن يكون حاجاً أو معتمراً ، والجمهور يقولون : إن كان حاجاً فإنه يقطع التلبية إذا رمى جمرة العقبة، لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس- رضي الله عنهما-: «أنَّ أُسَامَةَ كانَ رِدفَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- من عَرَفَةَ إلى المُزْدلفة، ثم أردفَ الْفَضْلَ من المُزدلفة إلى مِنى، فَكلاهُما قال: لم يَزَلِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُلبيِّ حتَّى رمى جَمْرة العقبَة»[1] ، واختلفوا هل تنقطع التلبية بأول رمية بأول حجر أو يستمر على التلبية حتى آخر حجر ؟ والجمهور على أنها تنقطع بمجرد الرمية أول رمية ، وذهب بعض العلماء إلى أنه يستمر في التلبية مع التكبير إلى آخر رمية وهذا اختيار ابن خزيمة - رحمه الله - وروى خبراً في صحيحه وظاهر إسناده الصحة وفيه أنه رمى جمرة العقبة ولبث يلبي حتى انقطع مع آخر حجر، وقال ابن خزيمة : هذا خبر صحيح مفسر[2] . والأمر في هذا واسع فإن استطاع أن يلبي يقول : لبيك اللهم لبيك ، الله أكبر ، لبيك اللهم لبيك ، الله أكبر فجمع بينهما فحسن وإن كان الرمي متتابعاً بحيث أنه لا يمكن التلبية بينهم ففي هذه الحالة يكبر ونعلم أن ما بعد يوم النحر بعدها هو أيام ذكر لله - سبحانه وتعالى - ، ثم يعاود الذكر إلى آخر أيام التشريق.
وإن كان معتمراً فإنه تنقطع التلبية عند الجمهور بأول شروعه في الطواف، ومن أهل العلم من يقول : بإنه يلبي في طوافه، والمعروف من هديه - عليه الصلاة والسلام - أن تلبيته كانت إذا كان بين المشاعر ، من مشعر إلى مشعر ، كان يلبي مثلاً من منى إلى عرفة ومن عرفة إلى مزدلفة ومن مزدلفة إلى منى أما إذا نزل في المكان في المشعر فإنه كان - عليه الصلاة والسلام - يذكر الله - عز وجل - وربما وقعت تلبية من بعض أصحابه ولهذا قال محمد بن أبي بكر الثقفي لأنس: كَيفَ كُنْتُم تَصْنَعُونَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: كَانَ يُلَبِّي الملبي فَلَا يُنكر عَلَيْهِ، وَيكبر المكبر فَلَا يُنكر عَلَيْهِ.[3] فعلى هذا إذا لبى أحياناً فلا بأس، وإذا دعى فلا بأس وخاصة في يوم عرفة ، المعروف في يوم عرفة أنه عليه الصلاة والسلام لم يزل رافعاً يديه يدعو عليه الصلاة والسلام في يوم عرفة حتى غربت الشمس ، وذهب بعض أهل العلم إلى أن التلبية تنقطع بدخول الحرم ، دخول الحرم يعني أميال الحرم ليس نفس المسجد نفس حدود الحرم، وهذا جاء في رواية عند البخاري عن ابن عمر في حديث في آخره :" إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية"[4] ،أو لما أشرف على الحرم ، وأخبر أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يفعله، وقد أشار الحافظ رحمه الله أن الذي أشار إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم هو في مبيته بذي طوى واغتساله في صبح ذلك اليوم، أما التلبية فإنه جاء ما يدل على أنه من فعل ابن عمر واجتهاده رضي الله عنه وإلا فإن التلبية تستمر كما تقدم مع الحاج حتى يرمي جمرة العقبة، وإن كان معتمراً فإنه إلى أن يشرع في الطواف ، نعم.